الأزهر يقترح استحداث 3 مواد جديدة بمشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى.. والنواب يوافق    كسر مفاجئ يتسبب في توقف محطة مياه العزب القديمة بالفيوم    ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 14.2% على أساس سنوي خلال إبريل الماضي.. و4.1% على أساس شهري    محافظ المنوفية يتابع منظومة التصالح على مخالفات البناء    وزارة الدفاع الروسية: أوكرانيا خرقت وقف إطلاق النار المؤقت أكثر من 14 ألف مرة    توتر متصاعد بين الهند وباكستان رغم اتفاق وقف إطلاق النار    الصحة بغزة: 2720 شهيدا و7513 مصابا منذ استئناف العمليات العسكرية في 18 مارس    جامعة الدول العربية تحيي يوم التضامن مع الإعلام الفلسطيني    تعليق مثير من نجم آرسنال على الممر الشرفي اليوم للاعبي ليفربول    القاهرة تُسجل 40 مئوية.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس الآن: «ذروة الموجة الحارة»    الأمن ينهي خصومة ثأرية بين عائلتين في الفيوم بعد مقتل "خضر شلوف"    إنقاذ 6 أشخاص سقطوا في بئر بالظهير الصحراوي بالمنيا    فيلم استنساخ يفاجىء سامح حسين.. كم حقق في دور العرض السبت؟    لا يهم فهم الآخرين.. المهم أن تعرف نفسك    "المغاوري" يعلن موافقته على قانون تنظيم الفتوى الشرعية    مع ذروة الموجة الحارة اليوم.. تحذيرات من ضربة الشمس وأعراضها الخطيرة وطرق الوقاية والإسعاف    بعد رفع أسعار المحروقات.. أسعار النقل والمواصلات تقفز ب33.7% على أساس سنوي خلال أبريل 2025    قبل شهر من مواجهة الأهلي.. ماسكيرانو: إنتر ميامي يعاني من مشكلات دفاعية صعبة    "مصمم على 40 مليون".. شوبير يكشف صدام الأهلي وعلى ربيعة واقتراب الانفصال    «مينفعش اللي عملته».. شوبير يوجه رسالة نارية إلى حارس الزمالك    انتظام سير العمل بمنظومة توريد القمح لشون وصوامع الشرقية    البورصة تعلن فتح باب الترشح لمجلس إداراتها (2025 - 2029)    البرلمان يفتح ملف العلاوة وزيادة الحافز للعاملين بالدولة ومنحة خاصة لشركات القطاع العام    ضبط شخص يدير مصنع غير مرخص للمياه الغازية مُستخدما علامات تجارية مقلدة    وزير التعليم يوجه المديريات بصرف المتأخرات المالية لمعلمي الحصة    النيابة تصرح بدفن جثة طالب أنهى حياته شنقا بسبب سوء معاملة أسرته في أبو النمرس    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    قوافل الأحوال المدنية تستخرج 7148 بطاقة رقم قومي و25 ألف مستند مميكن    محافظ الدقهلية يتفقد مركز دكرنس ويحيل رئيس الوحدة المحلية بدموه للتحقيق    رئيس الوزراء يشارك في احتفالية "تكافل وكرامة" ويكرم عددا من شركاء النجاح.. صور    جدول امتحانات «رابعة ابتدائي» الترم الثاني 2025 في القليوبية    الثقافة تختتم الملتقى 21 لشباب المحافظات الحدودية بدمياط ضمن مشروع أهل مصر    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    إحالة مدير مستشفى تأمين صحي بالدقهلية ونائبه للتحقيق.. المحافظ يكشف السبب    أطباء بمستشفى المنصورة الدولى ينجحون فى استخراج سكين مطبخ من بطن طفل    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    لرغبتها في استمراره في أوربا .. زوجة كوتيسا تعرقل صفقة انضمامه للزمالك    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» عبدالصبور شاهين مثقف تحول إلى تكفيرى من أجل المال "الحلقة 4"    «جوتيريش» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    تامر عاشور يلتقي جمهوره في حفل غنائي بدبي 16 مايو    صحة غزة: 1500 فلسطينى فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه بسبب الحرب    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    بدء التصويت للانتخابات التشريعية فى ألبانيا    من التشريعات الحازمة إلى استراتيجية الأمن السيبرانى.. كيف تحركت مصر لردع المعتدين على النساء فى الفضاء الرقمى؟    "صندوق الإسكان الاجتماعي" يحصد 3 شهادات "أيزو" دفعة واحدة    اعتماد تخطيط مشروع حديقة تلال الفسطاط بحى مصر القديمة    الصحة: افتتاح 14 قسمًا للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    الرئيس الفرنسي: مقترح بوتين بشأن المفاوضات مع كييف خطوة غير كافية    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    سامي قمصان يتحدث عن.. رحيل كولر.. المشاركة في كأس العالم للأندية.. وفرصة عماد النحاس    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    قصور الثقافة تستضيف نادي القصة استجابة لنداء الكاتب محمد سلماوي    بالنسبة لهم أكثر من مجرد أكلة.. 5 أبراج تتمتع بمهارات طبخ ممتازة    «لا أفكر في الأمر».. رد مفاجئ من جوميز على أنباء تدريبه الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم عادي غريب جداً
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 10 - 2010

"تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن" كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليديّ في تلك الغرفة التقليدية والذي أيقظه في الساعة الخامسة والنصف فجراً، قام من فراشه ببطء متملكاً منه شعور كبير بالكسل والإرهاق وعدم الرغبة في الاستيقاظ، احتار في سبب هذا الشعور الذي يراوده لأول مرة، فكر فيه لمدة ثانية واحدة، فلقد كان يعلم أن سبب هذا الشعور لم يكن لأنه قد عاد إلى منزله بعد منتصف الليل بعدما اضطرته الظروف إلى السهر في العمل" لتخليص الشغل المتأخر"، أو لأنه لم يستطع النوم جيداً لأن الشاب الذي يسكن بالشقة المقابلة قد حول شقته إلى أستوديو تحليليّ لمباريات البلاي ستيشن، أغلب الظن أن سبب هذا الشعور هو أنه لم يعد لديه حماس كافي للعمل، لم يعد لديه حماس كافي للقيام بما تعود طوال عشرون عاماً أن يقوم به، ربما لأنه بعد تخرجه من كلية العلوم بتقدير مرتفع اعتقد بأن مكانه سيكون في المعمل وسط الأبحاث والتجارب ولكنه وجد نفسه في الأرشيف بين الملفات والأتربة، لكن ما باليد حيلة قال " الإيد قصيرة والعين بصيرة" وطلبات الزوجة والأولاد لا تنتهي.
قام من مكانه مطأطأ الرأس "منعكش" الشعر يجر قدماه جراً مما جعلهما تصدران صوتاً عند احتكاكهما بأرضية الغرفة الخشبية الخالية من السجاجيد يشبه صوت فحيح الأفاعي "اللي بتقول فوو فوو فوو"، طرق باب الحمام لا يدري لماذا يطرقه فهو يعلم أن الجميع نياماً ولكن يبدو أنها العادة، لا يستطيع أن يبدأ يومه إلا بعد أن يأخذ حماماً بارداً، صيف أو شتاء لا يهم، "الدُش" لا بد أن يكون بارداً، هو لا يتشاءم أو يتفاءل بهذا لكنها العادة أيضاً، فتح "الحنفية" ونظر إلى "الدُش" في انتظار نزول المياه، طال انتظاره ووقوفه، لم تنزل المياه التي دائماً ما تذكره بمياه الأمطار التي كان يركض أسفلها وهو صغير، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة وارتجاج في المواسير وكأنها تريد أن تنفجر، أن تبوح بأسرارها، أن تظهر ما كانت تخفيه طوال عشرون عاماً قضتها في كنف هذا الرجل، نظر لها راجياً مترجياً متوسلاً أن تترك كل ما تعانيه وتشعر به الآن، استحلفها بكل ما هو عزيز، بكل ما هو غالي، بكل ما هو نفيس أن تتنازل عن مشاعرها وأحلامها فقط من أجله، من أجل بضع قطرات من المياه التي لا بد أن يبدأ بها يومه المشحون.
ارتفع صوت الزمجرة وكأنه يعلن عن العصيان، ازداد الارتجاج وكأنه علامة عن مزيد من الغضب، ثم سكت كل شيء دفعة واحدة، وبدون مقدمات هدوء تام، أصبح لا صوت يعلو فوق صوت المياه المنهمرة والمعبرة عن رضوخ تام لطلباته التي لا تنتهي هي أيضاً، رضوخ تام يصاحبه سحابة من الكبرياء ولمحة من الكرامة والعزة بالنفس، فالمياه لم تكن كما تعودها دائماً، بل كانت مليئة بأتربة جعلت لونها الشفاف يتحول إلى لون بني داكن يلاحظه جيداً على الرغم من ذلك الضوء الواهن الضعيف لتلك اللمبة المعلقة وحيدة في سقف ذلك الحمام الضيق، لون داكن جعله يتخيل نفسه يأخذ حماماً في الوحل.
خرج غاضباً، فهو لم يأخذ حمامه المعتاد، راوده شعور بأن اليوم لن يمر على خير ما يرام "الفار بيلعب في عبه وعينه الشمال بترف"، سرعان ما نفض هذا الشعور عن كتفيه، فهو لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور، وجهته كانت إلى "فرن العيش البلدي" الذي يبدأ عمله من بعد صلاة الفجر وحتى العاشرة صباحاً فقط، تعود كل يوم أن يقف في هذا الطابور الطويل للحصول على خمسة أرغفة لكي يفطر بها هو وزملاءه في العمل، خيل له أن الطابور أقصر من المعتاد، لا يهم، بدأ في إضاعة الوقت وذلك بالتحدث مع الواقف أمامه أو الواقف خلفه، الحديث دائماً ما يكون عن أمور الحياة، فلقد تكونت بينهم علاقة صداقة طابورية، لا يهم عن ماذا يتكلمون أو في ماذا يفكرون، فهو لن يتذكر كلمة واحدة مما قالها هو أو قالها أحد الواقفين معه، وكذلك حال الجميع، كل ما في الأمر أنه يريدون تهوين طول الوقفة بالانشغال عنها بالحديث، بينما هو يتحدث قفز إلى ذهنه سؤال هام، هل يخبزون العيش بنفس تلك المياه المحملة بالأتربة التي رآها في حمام منزله المتواضع؟ قبل أن يجد إجابة شافية هاجمه سؤال آخر، هل سيكون هناك فرق ما إذا كانت المياه المستخدمة نظيفة أم لا؟ أم في كلا الحالتين سوف يشتري العيش؟ كانت الإجابة واضحة كنور الشمس في كبد السماء الصافية، العيش يحتوي على أتربة على مسامير على ذيل فأر لا يهم، المهم أن يجد ما يكمل به وجبة الإفطار.
الطابور يتحرك ببطء شديد، وكأنهم في إحدى إشارات المرور اللانهائية، ثم توقف الطابور فجأة ولمدة طويلة، أفاد أحد الظرفاء بعد طول توقف "أكيد في موكب وزاري معدي"، ضحك الجميع ضحكة يخفون بها ما يتملكهم من هموم ألقتها الدنيا عليهم وعلقتها في أعناقهم، طال الانتظار وبدأت عملية الململة، كان السؤال وكانت الإجابة المفحمة "مفيش دقيق"، يعلم الجميع أن صاحب الفرن يبيع الدقيق في السوق السوداء، ومع ذلك لم يبلغ عنه أحد لسبب بسيط، إذا قامت الحكومة بغلق الفرن وسحب الترخيص، من أين سيأتون برغيف العيش؟؟ "لسه الفار بيلعب في عبه وعينيه الاتنين بيرفوا" ،"اليوم باين من أوله" لكنه لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور.
أكمل سيره متجهاً إلى محطة الأتوبيسات، هو يعلم أنه محظوظ أنه دائماً ما يركب الأتوبيس من محطته الأولى وهو تقريباً فارغ لينزل منه في محطته النهائية، فهذا لن يعرضه للوقوف أو المزاحمة أو السرقة من هؤلاء النشالين المحترفين، هو في الأمان، بحث بنظره عن رقم 78 وكان هذا هو رقم الأتوبيس الذي يستقله كل يوم، طال بحثه ولم يعثر على شيء، أخرج منديلاً مسح به عدسات النظارة وبحث من جديد،" هو الأتوبيس اتسرق ولا إيه"، كان هذا ما يدور بذهنه وقتها لكن الكمسري والذي أصبح يعرفان بعضهما جيداً أخبره أن اليوم عطلة رسمية وأغلب الخطوط تم إلغائها وتحويلها إلى المنتزهات العامة، كيف نسي هذا؟، كيف نسي أن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تذكر أنه بالأمس تأخر الجميع في العمل لتعويض يوم العطلة الرسمية، هنا فقط تذكر أن ذلك الشاب أقام حفلة في شقته لأن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تنبه لماذا كان هذا الشعور بالكسل وكأن عقله الباطن يريد أن يخبره، هنا فقط تنبه إلى أن زوجته لم تستيقظ باكراً كعادتها، هنا فقط أدرك لماذا الطابور كان أقصر من المعتاد، هنا فقط أدرك أنه "ضبط" المنبه على الخامسة والنصف فجراً لأنها على ما يبدو العادة فقط، فلقد تعود على ذلك طوال عشرون عاماً.
" تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن" كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليدي في تلك الغرفة التقليدية والذي أيقظه في الساعة الخامسة والنصف فجراً، قام من مكانه مطأطأ الرأس" منعكش" الشعر يجر قدماه جراً، طرق باب الحمام، فتح" الحنفية" ونظر إلى" الدش" في انتظار نزول المياه، طال انتظاره ووقوفه ولكن لم تنزل المياه، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة وارتجاج في المواسير، تذكر ما حد يوم أمس، ارتدى ملابسه وعاد إلى فراشه لينام من جديد، هو لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور ولكنها على ما يبدو العادة، فلقد تعود على ذلك منذ ليلة أمس.
بقلم م / مصطفى الطبجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.