وزير الاتصالات: تنفيذ مشروعات لتوظيف التكنولوجيا فى إدارة الموارد المائية    «لن تتعدى 4 ساعات».. صحف عبرية تكشف جدول زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل (تفاصيل)    وزير باكستاني يدين الاستفزازات الأفغانية على الحدود مع بلاده    (0-0) بث مباشر مباراة مصر وغينيا بيساو اليوم.. شوفها على أون تايم سبورت ومجّانًا!    محمد المنياوي يتوج بذهبية بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    تصفيات أوروبا لكأس العالم.. «ديباي» يقود هجوم هولندا في التشكيل الأساسي لمواجهة فنلندا    طقس الاثنين 13 أكتوبر 2025: أجواء خريفية معتدلة وشبورة صباحية ورياح تُلطّف الأجواء    مدبولي يؤكد استمرار تعزيز التعاون مع «اليونسكو» بالمجالات التعليمية والثقافية    وكيل صحة الدقهلية يبحث خارطة عمل المرحلة المقبلة مع مديري المستشفيات والإدارات الفنية    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    محافظ الدقهلية يتابع نتائج لجان المرور على المنشآت الصحية بمركزي المطرية والمنزلة    وزير الري يشارك في الاحتفال بمرور 50 عامًا على البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو    تقرير.. ليفاندوفسكي يغلق بابه أمام اللعب في الدوريات العربية    الأونروا تستعرض احتياجات أهالي غزة: 600 شاحنة يوميا لا تكفي    تأجيل محاكمة 25 متهما بخلية الظاهر    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل تاجر الذهب في البحيرة لجلسة 10 نوفمبر    تأجيل محاكمة 312 متهم بالإنضمام ل " جبهة النصرة " وولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش الإرهابي    27 مدينة أسترالية تنتفض تضامنا مع فلسطين: اوقفوا تمويل الإبادة    على الصعيد المهنى والعاطفى.. حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأحد 12 أكتوبر    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    "الخارجية" تستقبل خالد العناني بأول زيارة منذ انتخابه مديرًا عامًا لليونسكو    منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.. إفلاطون بنار بتركيا يتحدى الجفاف    انطلاق مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس.. فعاليات ثقافية وفنية متنوعة في قصور الثقافة هذا الأسبوع    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    محافظ المنوفية يدشن فعاليات مبادرة الكشف عن فيروس سي والأنيميا والسمنة بمدرستين في شبين الكوم    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    «يونيفيل» تعلن إصابة أحد عناصرها بقنبلة إسرائيلية في جنوب لبنان    وزير الدفاع يشهد تخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية (صور)    قافلة دعوية برعاية «أوقاف مطروح» تجوب مدارس الحمام لتعزيز الانتماء ومحاربة التنمر والتعصب    ما حكم زيارة مقامات الأنبياء والأولياء والصالحين؟ الإفتاء تفسر    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم سيارة ربع نقل بالرصيف في الدقهلية    رئيس جامعة بنها ووكيل الأزهر يفتتحان ندوة "الإيمان أولا"    بعد قرار الرئيس، هل يختلف نائب الشيوخ المنتخب عن المعين؟    "إي آند مصر" تطلق مبادرة "صحة مدارسنا"    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    رام الله: مستوطنون يقتحمون خربة سمرة بالأغوار الشمالية    هانى العتال عن تعيينه فى مجلس الشيوخ: شرف كبير أنال ثقة الرئيس السيسي    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    محافظ المنوفية يدشن فعاليات المبادرة الرئاسية للكشف عن فيروس سي بمدرسة المساعي الجديدة بنات بشبين الكوم    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    أسعار طبق البيض اليوم 12-10-2025 في قنا    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    الرئيس السيسى يتابع مع شركة أباتشى الموقف الاستكشافى للمناطق الجديدة    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    ترشيح هذه الفنانة للوقوف أمام محمد فراج في أب ولكن    سفارة قطر بالقاهرة تعرب عن بالغ حزنها لوفاة ثلاثة من منتسبي الديوان الأميري في حادث    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم عادي غريب جداً
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 10 - 2010

"تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن" كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليديّ في تلك الغرفة التقليدية والذي أيقظه في الساعة الخامسة والنصف فجراً، قام من فراشه ببطء متملكاً منه شعور كبير بالكسل والإرهاق وعدم الرغبة في الاستيقاظ، احتار في سبب هذا الشعور الذي يراوده لأول مرة، فكر فيه لمدة ثانية واحدة، فلقد كان يعلم أن سبب هذا الشعور لم يكن لأنه قد عاد إلى منزله بعد منتصف الليل بعدما اضطرته الظروف إلى السهر في العمل" لتخليص الشغل المتأخر"، أو لأنه لم يستطع النوم جيداً لأن الشاب الذي يسكن بالشقة المقابلة قد حول شقته إلى أستوديو تحليليّ لمباريات البلاي ستيشن، أغلب الظن أن سبب هذا الشعور هو أنه لم يعد لديه حماس كافي للعمل، لم يعد لديه حماس كافي للقيام بما تعود طوال عشرون عاماً أن يقوم به، ربما لأنه بعد تخرجه من كلية العلوم بتقدير مرتفع اعتقد بأن مكانه سيكون في المعمل وسط الأبحاث والتجارب ولكنه وجد نفسه في الأرشيف بين الملفات والأتربة، لكن ما باليد حيلة قال " الإيد قصيرة والعين بصيرة" وطلبات الزوجة والأولاد لا تنتهي.
قام من مكانه مطأطأ الرأس "منعكش" الشعر يجر قدماه جراً مما جعلهما تصدران صوتاً عند احتكاكهما بأرضية الغرفة الخشبية الخالية من السجاجيد يشبه صوت فحيح الأفاعي "اللي بتقول فوو فوو فوو"، طرق باب الحمام لا يدري لماذا يطرقه فهو يعلم أن الجميع نياماً ولكن يبدو أنها العادة، لا يستطيع أن يبدأ يومه إلا بعد أن يأخذ حماماً بارداً، صيف أو شتاء لا يهم، "الدُش" لا بد أن يكون بارداً، هو لا يتشاءم أو يتفاءل بهذا لكنها العادة أيضاً، فتح "الحنفية" ونظر إلى "الدُش" في انتظار نزول المياه، طال انتظاره ووقوفه، لم تنزل المياه التي دائماً ما تذكره بمياه الأمطار التي كان يركض أسفلها وهو صغير، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة وارتجاج في المواسير وكأنها تريد أن تنفجر، أن تبوح بأسرارها، أن تظهر ما كانت تخفيه طوال عشرون عاماً قضتها في كنف هذا الرجل، نظر لها راجياً مترجياً متوسلاً أن تترك كل ما تعانيه وتشعر به الآن، استحلفها بكل ما هو عزيز، بكل ما هو غالي، بكل ما هو نفيس أن تتنازل عن مشاعرها وأحلامها فقط من أجله، من أجل بضع قطرات من المياه التي لا بد أن يبدأ بها يومه المشحون.
ارتفع صوت الزمجرة وكأنه يعلن عن العصيان، ازداد الارتجاج وكأنه علامة عن مزيد من الغضب، ثم سكت كل شيء دفعة واحدة، وبدون مقدمات هدوء تام، أصبح لا صوت يعلو فوق صوت المياه المنهمرة والمعبرة عن رضوخ تام لطلباته التي لا تنتهي هي أيضاً، رضوخ تام يصاحبه سحابة من الكبرياء ولمحة من الكرامة والعزة بالنفس، فالمياه لم تكن كما تعودها دائماً، بل كانت مليئة بأتربة جعلت لونها الشفاف يتحول إلى لون بني داكن يلاحظه جيداً على الرغم من ذلك الضوء الواهن الضعيف لتلك اللمبة المعلقة وحيدة في سقف ذلك الحمام الضيق، لون داكن جعله يتخيل نفسه يأخذ حماماً في الوحل.
خرج غاضباً، فهو لم يأخذ حمامه المعتاد، راوده شعور بأن اليوم لن يمر على خير ما يرام "الفار بيلعب في عبه وعينه الشمال بترف"، سرعان ما نفض هذا الشعور عن كتفيه، فهو لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور، وجهته كانت إلى "فرن العيش البلدي" الذي يبدأ عمله من بعد صلاة الفجر وحتى العاشرة صباحاً فقط، تعود كل يوم أن يقف في هذا الطابور الطويل للحصول على خمسة أرغفة لكي يفطر بها هو وزملاءه في العمل، خيل له أن الطابور أقصر من المعتاد، لا يهم، بدأ في إضاعة الوقت وذلك بالتحدث مع الواقف أمامه أو الواقف خلفه، الحديث دائماً ما يكون عن أمور الحياة، فلقد تكونت بينهم علاقة صداقة طابورية، لا يهم عن ماذا يتكلمون أو في ماذا يفكرون، فهو لن يتذكر كلمة واحدة مما قالها هو أو قالها أحد الواقفين معه، وكذلك حال الجميع، كل ما في الأمر أنه يريدون تهوين طول الوقفة بالانشغال عنها بالحديث، بينما هو يتحدث قفز إلى ذهنه سؤال هام، هل يخبزون العيش بنفس تلك المياه المحملة بالأتربة التي رآها في حمام منزله المتواضع؟ قبل أن يجد إجابة شافية هاجمه سؤال آخر، هل سيكون هناك فرق ما إذا كانت المياه المستخدمة نظيفة أم لا؟ أم في كلا الحالتين سوف يشتري العيش؟ كانت الإجابة واضحة كنور الشمس في كبد السماء الصافية، العيش يحتوي على أتربة على مسامير على ذيل فأر لا يهم، المهم أن يجد ما يكمل به وجبة الإفطار.
الطابور يتحرك ببطء شديد، وكأنهم في إحدى إشارات المرور اللانهائية، ثم توقف الطابور فجأة ولمدة طويلة، أفاد أحد الظرفاء بعد طول توقف "أكيد في موكب وزاري معدي"، ضحك الجميع ضحكة يخفون بها ما يتملكهم من هموم ألقتها الدنيا عليهم وعلقتها في أعناقهم، طال الانتظار وبدأت عملية الململة، كان السؤال وكانت الإجابة المفحمة "مفيش دقيق"، يعلم الجميع أن صاحب الفرن يبيع الدقيق في السوق السوداء، ومع ذلك لم يبلغ عنه أحد لسبب بسيط، إذا قامت الحكومة بغلق الفرن وسحب الترخيص، من أين سيأتون برغيف العيش؟؟ "لسه الفار بيلعب في عبه وعينيه الاتنين بيرفوا" ،"اليوم باين من أوله" لكنه لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور.
أكمل سيره متجهاً إلى محطة الأتوبيسات، هو يعلم أنه محظوظ أنه دائماً ما يركب الأتوبيس من محطته الأولى وهو تقريباً فارغ لينزل منه في محطته النهائية، فهذا لن يعرضه للوقوف أو المزاحمة أو السرقة من هؤلاء النشالين المحترفين، هو في الأمان، بحث بنظره عن رقم 78 وكان هذا هو رقم الأتوبيس الذي يستقله كل يوم، طال بحثه ولم يعثر على شيء، أخرج منديلاً مسح به عدسات النظارة وبحث من جديد،" هو الأتوبيس اتسرق ولا إيه"، كان هذا ما يدور بذهنه وقتها لكن الكمسري والذي أصبح يعرفان بعضهما جيداً أخبره أن اليوم عطلة رسمية وأغلب الخطوط تم إلغائها وتحويلها إلى المنتزهات العامة، كيف نسي هذا؟، كيف نسي أن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تذكر أنه بالأمس تأخر الجميع في العمل لتعويض يوم العطلة الرسمية، هنا فقط تذكر أن ذلك الشاب أقام حفلة في شقته لأن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تنبه لماذا كان هذا الشعور بالكسل وكأن عقله الباطن يريد أن يخبره، هنا فقط تنبه إلى أن زوجته لم تستيقظ باكراً كعادتها، هنا فقط أدرك لماذا الطابور كان أقصر من المعتاد، هنا فقط أدرك أنه "ضبط" المنبه على الخامسة والنصف فجراً لأنها على ما يبدو العادة فقط، فلقد تعود على ذلك طوال عشرون عاماً.
" تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن" كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليدي في تلك الغرفة التقليدية والذي أيقظه في الساعة الخامسة والنصف فجراً، قام من مكانه مطأطأ الرأس" منعكش" الشعر يجر قدماه جراً، طرق باب الحمام، فتح" الحنفية" ونظر إلى" الدش" في انتظار نزول المياه، طال انتظاره ووقوفه ولكن لم تنزل المياه، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة وارتجاج في المواسير، تذكر ما حد يوم أمس، ارتدى ملابسه وعاد إلى فراشه لينام من جديد، هو لا يتشاءم أو يتفاءل بمثل هذه الأمور ولكنها على ما يبدو العادة، فلقد تعود على ذلك منذ ليلة أمس.
بقلم م / مصطفى الطبجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.