كانت الأسئلة تلقائية جدا وجريئة.. وتصب جميعها فى خانة العدالة الاجتماعية .. وأهالى العاشر يفضفضون عما فى الحشايا.. أصحاب الأعمال والمصانع ناكرون للجميل.. بدأنا معهم من الصفر وعندما ركبوا السيارات الهامر والجاجوار وانتشرت من حولهم سيارات الحراسة وأصبحوا يطيرون بطياراتهم الخاصة.. إذا بهم ينسون كفاحنا معهم ولاتتحسن أحوالنا المادية إلى الأحسن.. وأنت إذا جلست على المنصة كمتحدث هذه الأيام.. فاعلم أنك جعلت من نفسك تبة يطلقون عليها النيران.. فالناس تسأل فى كل اتجاه.. وكأنك الحكومة وكأنك المفتى وكأنك متهم وهات يا أسئلة.. أين فرص العمل المتاحة للشباب وهل الأجور المعروضة عادلة؟؟ رجال الأعمال يشتكون مر الشكوى من أنهم يعلنون عن وظائف ولا أحد يتقدم.. لماذا.. لأنهم كسالى ويفضلون الجلوس على المقاهى.. ليس صحيحا فالسبب الحقيقى هو ضعف الأجور.. ماذا تفعل بستمائة جنيه فى الشهر.. ومافائدة أن تهلك صحتك من أجل الفتات بينما أصحاب الأعمال يكسبون بالمليارات.. ثم نلوم الشباب بأنه يريد أن يهاجر؟؟.. سألت من حضروا اللقاء.. من يريد منكم أن يهاجر؟؟ فإذا عشرات يرفعون الأيادى وأغلبهم طلبة فى الجامعات وتلاميذ فى المدارس.. وتتوالى الأسئلة التى تكشف عن عذابات الأهالى مع الدروس الخصوصية وغلاء الأسعار.. نفس المشهد يتكرر فى مكتبة الإسكندرية.. ومع أن الندوة كانت عن أزمة اللغة العربية إلا أن الموضوعات تشعبت إلى مشاكل الأجيال الجديدة وغياب تكافؤ الفرص وسيطرة الرشوة والمحسوبية.. وسألنى شاب بحماسة شديدة.. ماهى النصيحة التى توجهها إلى واحد طموح مثلى؟.. قلت على الفور: لا تستمع لنصيحة أحد واعمل بمقولة أحد الحكماء لابنه.. يابنى كن رجلا ولاتتبع خطواتى.. انتصر على الخوف فى داخلك.. واستمع إلى تحريض جمال الدين الأفغانى للشيخ محمد عبده.. كن فيلسوفا يابنى ولا تكن صبيا هلوعا.. العدو الأول للشاب هو الخوف.. وأحيانا تتساءل لماذا يخاف الشاب؟.. هم جيل ثورة تكنولوجيا المعرفة ونحن جيل الرقيب الداخلى وامش جنب الحيطة وياريت تمشى جوه الحيطة.. وأحرى بالأجيال الجديدة أن تتخلص من غباءاتنا وتنطلق إلى آفاق الحرية ويفضل أن يفعلوا ذلك بعد الانتخابات.. أما كيف ينطلقون؟؟ لابد هنا من الرجوع إلى قصص النجاح والكفاح لرائعين أمثال طلعت حرب الذى قاد معركة بناء الاقتصاد المصرى فى ظروف عاتية غير مواتية له.. ومن عجب أن هذا الرائع كانت ضده قوى جبارة.. أولا الإمبراطورية البريطانية التى لا تغيب عنها الشمس.. كان أقطابها يقولون له: هل جننت يا هذا؟ كيف تتصور أنك تستطيع إنشاء البنوك والقلاع الصناعية وأنتم أصلا أصلا فلاحون فلاحون ياولداه.. وكذلك كان الملك والقصر ضده والإقطاع.. لأنه يهدد سطوتهم بالمال على البلاد والعباد.. وأخيرا لم يكن زعماء الوفد والقادة السياسيون الوطنيون معه أيضا.. ومع ذلك فعلها ونجح وبنى أكبر نهضة اقتصادية فى مصر.. إذن من يرد أن يفعل شيئا يستطع حتى إن وقف العالم كله ضده.. ورواية باولو كولو.. السيميائى.. تؤكد ذلك.. ستصل إلى الكنز.. ستصل إليه لا محالة.. وحتى لو فشلت، فى النهاية أنت الكسبان لأن الكنز الحقيقى هو الرحلة فى حد ذاتها.. أرجو أن يبادر كل مفكر وكل مثقف وكل مستنير فى هذا الوطن أن يقتطع من وقته وجهده من أجل شباب مصر المحروسة.. وحبذا لو تم استنساخ طلعت حرب جديد هذه الأيام.. يعيد الثقة إلى نفوس الناس وينفض الغبار عن ألماظة جميلة اسمها الرأسمالية الوطنية.