حال مصر الآن يؤكد أنها أقرب إلى عزبة منها إلى دولة، مع كامل احترامي للدور التقليديّ والتاريخي ّللعزبة أو القرية في مصر. ومن يختلف معي في الرأي فليقل لي: ما قيمة أو ميزة أن تكون مواطن مصري في زماننا هذا إن لم تكن من عائلة كبيرة في البلد أو عضواً في الحزب الوطنيّ أو من رجال المال والأعمال، أو إن لم تكن من نجوم السينما (التمثيل) الذين يهتم السيد الرئيس بمشاكلهم وعيدهم الذي نسبوه للفن والفن منهم بريء، أو إن لم تكن من نجوم الكرة ولعبهم بملايين الجنيهات وملايين المشجعين! أو إن لم تكن فرداً في أحد المؤسسات الأمنية والتي تحافظ أولاً وآخراً على أمن كبار العزبة وأوامرهم وتهمل مصالح الناس بل وتأتي عليهم، أو إن لم تنافق وتساير وسط كل تلك الأوضاع الفاسدة لكي تكون إنساناً ناجحاً ومؤثراً؟ إن لم تكن أياً من هؤلاء أو من معارفهم فأنت مواطن درجة ثانية أو ثالثة، وأنت وحظك..! أين الدولة في هذا؟ الدوله الحديثة لابد أن تتكون من مواطنين لهم أهمية ورأي يسمع ومشاركة فعليه، بينما العزبة تضم - في من تضم - فلاحين غلابة ليس لهم رأي أو قيمة في نظر الأعيان. الدولة الحديثة يقوم معظم الشعب فيها بانتخابات برلمانية ورئاسية عادلة، أما في العزبة ففكرة الانتخابات مضحكة أصلاً لأن حضرة جناب العمدة أو البيه صاحبها غالباً ما يخلفه ابنه من بعده في العُمُدية أو الملكية أو لأن هناك ثمة طرق أخرى لانتقال السلطة لا دخل ولا علم لأهل البلد بها من قريب أو بعيد وكأن الأمر لا يخصهم!. إذاً بعد معاينة واقعنا السياسي والاقتصادي الجائر في مصر والذي نعرفه جميعاً، نسأل: هل نحن في دولة أم في عزبة؟ بإذن الله مصر سوف تصبح دولة معاصرة متقدمة ينعم فيها الكل بالرخاء، و لكن لن يتحقق ذلك إلا عندما يحترم النظام كل مواطن مصري في بلده كما يحترم الأجنبي و(المذكورين أعلاه)، وعندما يحترم آراءه ويقدر مشاركته وشكواه وحريته كفرد مهم في بلده أولاً حتى يصبح مهماً خارجها - والغريب أن المصري إذا كان قليل القيمة في بلده فكثيراً ما يكون ذو قيمة كبيرة خارجها! لن يصبح ذلك الحلم حقيقة إلا عندما يرد للمواطن الحق والحرية في أن يختار من يديرون البلد بانتخابات حرة نزيهة غير مزورة ويغيرهم إن لم يحسنوا ويحققوا مصالح الناس، وعندما يرى المواطن عدل اجتماعي حقيقي ويرى فرص عمل ونجاح متاحة للجميع على حد السواء - بدون تمييز أو تحيز أو فساد - قائمة على الكفاءة والاجتهاد لا على الوساطة والمعارف، سيكون ذلك إن شاء الله عندما يطالب المواطن بحقوقه التي يكفلها له القانون بدون خوفٍ أو يأسٍ أو استسلام لفساد. البداية أن يؤمن كل مواطن (مثقفٌ وأمي، غنيٌّ وفقير، مسلمٌ وقبطي، رجلٌ وامرأة، كبيرٌ وصغير، وزيرٌ وغفير، وعاملٌ وفلاح) بأهميته أولاً كإنسان خلقة الله حر كريم ذو كيان وقيمة وحقوق، وثانياً كفرد له أهمية ينتمي لبلد عريقة اسمها مصر عيب علينا جميعاً وخسارة كبيرة للكل أن تبقى في ذيل الأمم هكذا، و أن يؤمن أنه يستطيع أن يشارك في بنائها كما يشارك أبناء الدول - لا العزب - الأخرى في تطوير بلادهم.! إن لم يستطيع الإنسان المصري أن يستشعر قيمته ويحصل على حريته في أن يشارك بإيجابية في إدارة بلاده عن طريق اختيار من يحكمه وأن يغيره فستبقى مصر للأسف كالعزبة، متأخرة لا يشعر ولا يبالي فيها النخبة والأثرياء بمعاناة العامة والفقراء. هل ما زلتم تريدونها عزبة؟ عزيزي القارئ، كن إيجابياً وشارك في الإصلاح... محمد منصور http://masryyat.blogspot.com