كنت في العمل أمارس طقوسي الروتينية اليومية بالمرور على الموقع للتأكد من عدم وجود أي أعطال قد تسبب كارثة من الكوارث التي نسمع عنها في الصحف اليومية، اتصلت بي زوجتي الصابرة التي ابتلاها الله بزوج مجنون مثلي لتسألني "أعملك إيه على الغدا؟ "، سؤال دائماً لا أعرف له إجابة محددة حيث أن كل معلوماتي عن المطبخ أنه يتكون من أربع حروف، أجبتها إجابتي النمطية المتكررة "اعملي أكل!!"، وحتى لا تصاب بضيق خلق أو انفجار في الصبر أو تليف في الهدوء قالت لي "طيب خلاص هعمل مكرونة ابقى اشتري طماطم وأنت راجع" سألتها بهدوء مماثل "عاوزة طماطم أم 12 جنيه الكيلو الجامدة بتاعة السلطة ولا أم 9 جنيه الكيلو المفعصة بتاعة الصلصة؟ "، ردت " لا... أم 12 جنيه ". وصلت إلى المنزل وتناولنا الغداء و "عشمت" نفسي بكوب من الشاي الساخن ثم الجلوس أما التليفزيون لكن زوجتي فاجأتني بعبارة "في فار في الشقة"، انتفضت من مكاني ليس خوفاً من الفار ولكن خوفاً على "العفش" الذي مازال جديد وعلى زوجتي التي مازالت خائفة وعلى ولدي الذي مازال طفلاً، حاولت عبثاً معرفة من أين أتى هذا المخرب، فكل الأبواب مغلقة، وكل الشبابيك محكمة، وكل الأسلاك سليمة، وكل البلاعات مغطاة، و "كله في التمام". أيقنت أن كل محاولاتي سوف تذهب أدراج الرياح، فهؤلاء العفاريت الصغار يمكن أن يدخلوا أي شقة من "خرم إبرة" ولن يجدي البحث عن شيء إلا ضياعاً للوقت، نزلت مسرعاً واشتريت مصيدة مكعبة الشكل، مستطيلة الأضلاع، نحاسية الخامة، غالية الثمن وعلقت بها قطعة خيار ووضعتها في المطبخ، .... وانتظرنا. مر يوم ثم الثاني ولا أثر للفأر، فهو لم يقترب من المصيدة نهائياً، وكأن هذا المخلوق الصغير قد ازداد عقله ذكاء، أو أنه مدرب على أعلى مستوى، رميت قطعة الخيار وعلقت بدلاً منها قطعة جبنة رومي، كان يدور في ذهني وقتها مشهد من مشاهد حلقات "توم آند جيري" الشهيرة، قررت تغيير مكان المصيدة عسى أن يكون المطبخ منطقة عسكرية لا يقترب منا الفأر، وضعت المصيدة في الحمام، ... وانتظرنا من جديد. " مش حرام الجبنة دي كده، مش أحسن لو كنا جبنا سم فران؟ "، هذا ما قالته زوجتي بعد مرور يومان وعدم ظهور أي أثر للفأر مع العلم أن مخلفاته كانت مبعثرة هنا وهناك، يبدو لي أنه يزداد ذكاء مع مرور الوقت، ويبدو لزوجتي أني أزداد إحباطاً مع مرور الوقت، لذلك وعملاً بنصيحتها اشتريت سم فئران ورششته على باب الحمام والمطبخ، وأرسلت طفلي في إعارة مفتوحة لأم زوجتي حتى ننتهي من هذا الكابوس " المزفع " على رأي الأستاذ عوكل. لم ينتج عن السم إلا مزيداً من إهدار الوقت، المصيدة مفتوحة خاوية على عروشها، السم مرشوش وعليه الأتربة، وهذا المخرب مازال يعبث في الشقة فساداً لا ندري أين يختبئ أو من أين أتى أو هل مازال موجود، أم دعا بعض أقرانه على وجبة عشاء في هذا البيت الكريم الذي يتصف أهله بالطيبة الكافية والتي تجعلهم غير قادرين على طرده من عرينه، وكأنه أسد غضنفر قوي الشكيمة ماكر التفكير، لديه من الدهاء ما يفوق الثعالب ومن المكر ما يفوق الثعالب أيضاً. عدت إلى فكرتي الأولى وهى استخدام مصيدة الفئران، فأنا مازلت معتقد أنها أفضل وسيلة لاصطياد فأر شارد، فكرت في هذه المرة أن أستخدم رأس سمكة من بواقي السمك المقلي الذي أكلناه البارحة، فالسمك له رائحة نفاذة تجذب القطط و "البني آدميين" فما بالك بالفئران. استقبلت فشل رأس السمكة في جذب الفأر كما استقبلت فشل هيلاري في الفوز بالرئاسة، بمعنى أنه كان أمراً متوقعاً، هنا قررت اللجوء لسلاحي الأخير - أو قبل الأخير - سوف أستخدم الطماطم، فأنا أعتقد أن هذا الفأر إبن ناس ولن ينجذب لشيء رخيص الثمن، أخبرت زوجتي بهذه الفكرة فقالت "إيه عاوز تحط للفار طماطم من أم 12 جنيه الكيلو ؟؟ ... لا سيب الفار يعيش أحسن". بقلم م / مصطفي الطبجي