لا تربط بين انتهاء الحكومة المصرية من ترميم معبد موسى بن ميمون، فى حارة اليهود، وبين محاولات إسرائيلية لسرقة المقدسات الإسلامية فى القدس والخليل وتسجيلها باعتبارها تراثاً يهودياً، خصوصاً إذا كان ربطك مبنى على دعوات ذات حماسة مفرطة، كتلك التى دعت إلى هدم الكنائس رداً على قرار سويسرا بحظر بناء المآذن. الكنائس مصرية، وموسى بن ميمون أيضاً مصرى، والدولة قامت بواجبها بترميم أثر من آثار مصر، وجزء من تراثها، وحضارة شعبها، وهو تأكيد على القيم الحضارية التى نشأ عليها هذا الوطن، فمنح لعالم يهودى كل التقدير والمكانة فى حياته، ثم اهتم بآثاره بعد سنوات من مماته. هذا المعبد القابع فى حارة اليهود بالموسكى يخص مصر، ولا يخص إسرائيل، وإن كان للرجل تقدير روحى لدى اليهود فى إسرائيل، فهو دليل آخر على التسامح المصرى فى مواجهة الإجرام الصهيونى، الذى تمارسه دولة الاحتلال مع المقدسات الإسلامية والمسيحية. الفارق هنا كبير، فليس من حقك أن تغضب من ترميم المعبد، ولا ترميم كل معابد اليهود فى مصر، فموسى بن ميمون وغيره من النابغين اليهود فى حقب التاريخ المصرى المختلفة كانوا مصريين، لم يصعدوا السلم الاجتماعى والوظيفى بسبب ديانتهم، وإنما بسبب كفاءتهم، وطبيعة المناخ المصرى المتسامح، وهى كفاءة فى حالة الطبيب موسى بن ميمون، ليست لكونه يهودياً، وإنما لكونه عالماً تلقى العلم على أيدى علماء مسلمين فى الأندلس ومصر، حتى صار علماً وطبيباً، خاصة لواحد من أعظم سلاطين وقادة المسلمين، وهو صلاح الدين الأيوبى. ما يجب أن يغضبك، ويحزنك، ويفتح شهية الأسئلة فى عقلك، هو شكل الاحتفال اليهودى الذى تم أمس الأول فى المعبد، الرجل مصرى، والمكان مصرى، والأموال التى أنفقت على الترميم هى أموال دافع الضرائب المصرى، والثقافة التى ساندت هذا الترميم هى ثقافة التسامح المصرية، ومع ذلك شعرت مثلك بأن مصر غائبة، وبأن حارة اليهود بدت كما لو أنها حارة فى تل أبيب، السفارة الإسرائيلية نظمت كل شىء تحت ستار الطائفة اليهودية، سفراء إسرائيل تحدثوا فى الاحتفال، والسفيرة الأمريكية كذلك. أفهم أن مسؤولى وزارة الثقافة ربما رفضوا المشاركة فى افتتاح للمعبد يحضره السفير الإسرائيلى، لكن لم يكن من الملائم ترك المكان لهم بهذه الصورة، والسماح لهم بتنظيم احتفال على هذا المستوى بالمعبد قبل افتتاحه رسمياً من الحكومة التى تمتلك المكان وأنفقت عليه من أموال شعبها، لكن ما حدث كان تنازلاً مهيناً، يكرس اعترافاً بأن إسرائيل هى الممثل الشرعى لليهود فى العالم، والمتحدث الرسمى باسم أى شىء يهودى فى العالم، وفى هذا افتئات كبير على الحقيقة، إلى جانب أنها تأتى فى وقت تسرق فيه الحكومة الإسرائيلية مقدسات المسلمين والمسيحيين فى الأراضى المحتلة. كذلك لا أجد أى مبرر فى تسليم المعبد بعد ترميمه للطائفة اليهودية لإدارته، هذا معبد ملك مصر، ولابد أن يتبع المجلس الأعلى للآثار، وأن يدار تحت إشرافه وبمعرفته، كما تدار آلاف الآثار الإسلامية والمسيحية فى مصر. لابد أن نفخر جميعاً بترميم معبد «المصرى» موسى بن ميمون، وأن نؤيد فتح أبوابه لاستقبال جميع اليهود فى العالم، وفى الوقت نفسه نطالب حكومتنا بحرمان أى يهودى يحمل الجنسية الإسرائيلية من زيارته، حتى تتوقف حكومتهم عن إجرامها، فلصوص الآثار والمقدسات لا يستحقون هذا التكريم! [email protected]