عُقدة وليس لها أى حلال، وجدت لها كل بلاد العالم حلاً بل حلولاً إلا نحن، عقدة أين نذهب بالقمامة، وماذا نفعل بها، وكيف نحتفظ بشوارعنا وأماكننا نظيفة؟! وتفاقمت الحالة يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة حتى تراكمت القمامة فى كل مكان وأصبحت سمة مميزة لمدننا وقرانا وأحيائنا الغنية منها والفقيرة بل سمة مميزة لبلدنا للأسف، عبارة تسمعها كثيراً من الأجانب بلدكم جميل وشعبكم طيب لكن البلد ليس نظيفا، ويضيفون فى إصرار: بل فى غاية القذارة حتى يصل المعنى لنا أوضح، ومهما أخذتك النخوة والعزة لتدافع وتطيل فى الدفاع إلا أن العزة بالإثم تنهزم فى النهاية أمام الصورة الحقيقية فى كل مكان، ولأن من يتعود على مشاهدة الزهور يحب الزهور ومن يألف الأناقة يعتاد عليها ومن يحترم النظام لا يعيش مع الفوضى، فكذلك النظافة تعوّد وألفة واحتياج، ونقيضها القذارة اعتياد وألفة قد تصل إلى حد العمى أى العمى عن القبح وكأنه الأصل، ويستمر ذلك التجاهل المتعمد من كل منا حتى نفيق ونصحو على لطمة من الآخرين تتهمنا فى أعز ما نملك، سمعتنا القومية كما حدث منذ أيام عندما زار الرئيس الأمريكى الأسبق بل كلينتون مصر وألقى كلمة فى غرفة التجارة الأمريكيةبالقاهرة تصدّرها نقد حاد لمسألة قمامة العاصمة التى قال عنها إنها من أهم التحديات التى تواجه القاهرة، ودعا الرئيس الأمريكى الأسبق منظمات المجتمع المدنى فى مصر للتدخل لحل هذه المشكلة، كلينتون شاهد القمامة و تعجب لها– يادى الكسوف– وبالتأكيد شعر بأنه لا فائدة فى الحكومة ولا فى أساليب مواجهة وزاراتها المعنية لموضوع القمامة وعلى رأسها وزارة البيئة التى لو جمعنا تصريحات وزيرها فيما يخص هذا الموضوع منذ أزمة اغتيال الخنازير حتى الآن لوجدناها تكفى لتنظيف بلدنا والبلاد المجاورة وبلدان حوض البحر المتوسط، آمال وأحلام تطير فى الهواء لا ولم ولن يتحقق منها شىء على أرض الواقع مع أن الحل سهل ويسير وليس اختراعاً عبقرياً يحتاج إلى تصريحات كبرى أو لجان من لجان، وقد أورد هذا الحل الرئيس الأمريكى الأسبق فى كلمته فى غرفة التجارة الأمريكية فى القاهرة وفى عبارة قصيرة بديهية هى (إنه من الممكن أن تكون القمامة مصدراً للثروة من خلال التوسع فى صناعة إعادة التدوير وإنتاج الطاقة من المخلفات بما يقلل من استيراد مصر للطاقة ويوفر فرص العمل) هكذا قال بل كلينتون الذى اعتقد أو تأكد أننا لا نعرف الحل ولم نسمع عن كلمة إعادة التدوير أو كثافة التشغيل أو اعتبار القمامة وما ينتج عنها من مواد جديدة كالأسمدة العضوية والمواد البلاستيكية والحديدية والورق وغيرها- كنزا لا ينفد. كالطاقة المتجددة من الشمس والغاز والهواء، ذلك أن قمامة العاصمة وقمامة الأقاليم فى مصر تتجدد كل يوم ولا تنفد وهى غنية بموادها كما يقول لنا ذلك المتخصصون فى هذا المجال الذين لم تتم الاستعانة بهم أبداً للاستفادة من خبرتهم وما درسوه أو ما تعلموه فى هذا المجال الذى لا يحتاج إلى التصريحات الوردية، ولكن إلى المعرفة والقدرة معاً وقبل ذلك النية والقصد الحقيقى لأن يكون تحقيق النظافة فى مصر فى الشوراع والمدارس والأماكن الحكومية والمواصلات العامة وحتى فى مداخل البيوت وأسطحها هدفاً قومياً يلزم التكاتف والتعاون لتحقيقه بدلاً من هذا الخزى القومى الذى ينتابنا جميعاً عندما نلمح غضباً أو لوماً أو تأففاً وقرفاً على وجوه الأجانب ولهم كل الحق، وبدلاً من هذه البيئة اللاآدمية التى نعيش فيها وتعيش معنا وتتوطن أمراضها وحشراتها، وبدلاً من هذا الضياع بين جهات حكومية شتى تتنصل كل منها من واجبها فى التخلص من القمامة كالمحليات وهيئات النظافة والتجميل والهيئة العامة للطرق والكبارى والسادة المحافظين وشركات جمع القمامة ومنظمات المجتمع المدنى التى تنتابها لحظات نشاط وعمل لجمع القمامة يشارك فيها المواطنون وتنشط المكانس والأكياس وتزول القمامة ثم تعود من جديد حيث لا تتولاها جهة رسمية وغير أهلية محددة بعد ذلك ولا أدرى ولا أفهم ما هى المعضلة أو المشكلة المستعصية بيننا وبين التخلص الآمن والمفيد من القمامة وبين تحقيق النظافة، لماذا هى مشكلة ولماذا هى مستعصية؟ [email protected]