اليومَ، اليومُ العالميّ للمرأة. وليس أجملَ عندى من الكتابة عن ذلك الكائن المدهش الذى حيّر الفلاسفةَ والشعراء والطبيعةَ. كائن مُلغِزٌ فى رهافته التى تجنحُ نحو الهشاشة، وفى بأسه الذى يفوقُ الماس! فى حُنوِّه الذى يبارى رقرقة الماءَ، وفى شراسته التى تفوق النار! فى يوم كهذا، 8 مارس، تضجُّ الصحفُ بمقالات عن المرأة وحقوقها فى عالم بطريركيّ، يزداد رِدّةً ونكوصًا يومًا بعد يوم، على أيدى سَلفيين يتقنون النظرَ إلى الوراء، بشَغَفِ المحروم من نعمة إعمال العقل. وفى يوم كهذا، يكون أمامَ المرء سبيلان للكتابة. سبيلُ الكتابة التجريدية العامة حول المرأة: طبيعتها، حقوقها، قضايا المساواة والنسوية والتمثيل البرلمانيّ، الخ، وسبيلُ الكتابة الشخصانية التى تميلُ للتعيين، بدلَ التعميم. ولأننا أبناءُ خطابٍ ما-بعد-حداثيّ، ينفرُ من العام وينتصر للفردانيّ، فقد اخترتُ أن أكتبَ عن نموذج جميل من كثير النساء المصريات الجادّات. والجادُّ فى مجتمع كسول، يشبه الكسولَ فى مجتمع جادّ! كلاهما خَطِرٌ! الأول: خطَرٌ على سكون المجتمع واستاتيكيته، والثانى: خطرٌ على حيوية المجتمع وديناميكيته. فى المجتمعات الجادّة العاملة، أوروبا وجنوب شرق آسيا مثلا، لا محلَّ لخامل! يلفظُه المجتمعُ فورًا؛ فلا يجد لنفسه بُدًّا من العمل، أو الهجرة (إلى بلد كسول)، وإلا أمسى مواطنًا من الدرجة الثانية، تُحاكُ حوله دوائرُ الإقصاء ونظراتُ النفور! وفى المجتمعات المتواكلةِ الكسول، مثل مجتمعاتنا، يُنظَرُ إلى الجادّ الفاعل بعين الريبة والذُّعر! ذاك أنه يكشفُ الكسولين و«يكسفهم»؛ فيكيدون له، ويعملون على هَدْمه! فما بالنا لو كان هذا الجادُّ، امرأةً فى مجتمع سَلَفيّ؟ سيكون الهدفُ أيسرَ وأوجعَ! فليس أسهلَ من امرأة هدفًا، نصوِّب صوبَه الرصاصةَ، ونضرب! سهير المصادفة، شاعرةٌ وروائيةٌ جادّة. صاحبةُ مشروع إبداعيّ حقيقيّ، ونموذجٌ صارخٌ لكل ما سبق. لا أودُّ، فى هذه الزاوية الصغيرة، أن أتكلَّم عن مشروعيها الشعريّ والروائيّ. أولاً كيلا أغبنَ إبداعًا راسخًا فى سطور قليلة، وثانيًّا لأن نُقّادًا كِبارًا تناولوا إبداعها، بأفضلَ مما يمكننى أن أفعل. أودُّ أن أتكلمَ عنها كسيدة جادّة، أعادتْ للحياة مشروعَ «الجوائز العالمية»، الذى اغتيلَ منذ نصف قرن! لتعيده للنور العام 2005، تحت مسمى «سلسلة الجوائز»، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. مشروعٌ تنويريّ، يميطُ حُجُبَ اللغةِ الكثيفةِ الواقفةِ حائلاً بين الحضارات الأخرى، ولساننا العربيّ. تنتخبُ الرواياتِ العالميةَ الحاصدةَ جوائزَ غربيةً رفيعة، تشترى حقوقَ ترجمتها من المؤلف أو الناشر، ثم توكلُ بها إلى أحد المترجمين المحترفين، الذين تنتخبهم بعناية، لينقلها إلى العربية. عاينتُ بنفسى كيف تراجعُ المخطوطات العربية بقلمها الأحمر؛ فتدقّق كلَّ كلمة، وفاصلة، وهامش، قبل أن تدفع بها للمطبعة. تحترمُ اسمَها الذى صنعته بكدٍّ، وتخشى عليه، مثلما تخشى على مشروعها الوليد، الذى أخرج، حدَّ الآن، مائة عنوان عالميّ مهمّ. وكلمتى اليومَ أوجهها لأولئك الظلاميين المرتزقة، الذين يحاولون إحباطها: كفوّا أياديكم الكسولَ عن امرأة نشطة، تعملُ على إثراء رفٍّ لا يزال فقيرًا فى مكتبتنا العربية: رفّ الإبداع العالميّ والترجمات! تحيةً لهذه السيدة الجميلة! [email protected]