ناقشنا حديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، الذى اعتمد عليه من يرفض ولاية المرأة سواء فى الرئاسة أو فى القضاء، وكانت الأسئلة التى طرحناها محاولة لمناقشة السند بشكل عقلانى بعيداً عن الشكل الببغائى الذى يردد القديم بدون مناقشة، ولكن ماذا عن المتن؟، هل له أصول قرآنية أدان فيها القرآن حكم المرأة؟، أعتقد أن العكس صحيح ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة وقارنوا بين هذه الإشادة وبين إدانته لحاكم آخر رجل وهو فرعون الطاغية، فقد قال القرآن على لسان ملكة سبأ الحكيمة الذكية الليبرالية التى أفلحت وأفلح قومها حين وصلها كتاب سليمان «يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون»، إنها قمة الديمقراطية فى عصر لا يعرف إلا الطغاة، فكيف بالله عليكم يتحدث القرآن عن امرأة حاكمة بهذا الشكل الرفيع ونأتى نحن الآن لنقول إنه لا يجوز وحرام على المرأة أن تتولى الحكم وتحكم بين الناس فى القضاء وهى الحامل والمرضع والحائض إلى آخر هذا الكلام الذى يوجه إليها على سبيل السخرية والحط من شأنها وكأنها متهمة أو مجرمة، ألم يكن جديراً بالقرآن أن يردد هذه النغمة بدلاً من تصيد الأحاديث من هنا وهناك؟!، أعتقد أن مثل هذا التكريم وسام على صدر الدين الإسلامى وفى نفس الوقت ضربة قاضية لكل من ينظر إلى المرأة على أنها كائن غير مؤهل إلا للقهر. لم يقتنع الفقهاء بمثل هذه الأدلة العقلية، ومادام باب الاجتهاد قد أغلق منذ ألف سنة فإن فرصة قفز الفتاوى المفخخة من النافذة، المفتوحة سداح مداح، متاح ومباح!، ولنقرأ سريعاً ماذا قال الفقهاء القدامى عن هذه القضية لكى نتأكد من أن المسألة مسألة ثقافة وعرف اجتماعى يمجد الذكر أكثر منها اقتناعاً دينياً ودفاعاً شرعياً، وكان ملخص ما استندوا إليه أنه لا يجوز لها الإمامة والقضاء فكيف يجوز لها الولاية الكبرى، فنقرأ فى تبصرة الأحكام فى الفقه المالكى «الذكورة من شروط القضاء»، وجاء فى الأحكام السلطانية للماوردى فى الفقه الشافعى «الشرط الأول لولاية القضاء أن يكون رجلاً»، ونقرأ لابن قدامة فى الفقه الحنبلى هذه العبارة التى تقول لنا فى هذا الصدد حديث «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، أما الفقه الحنفى فقد أمسك العصا من المنتصف وأجاز قضاء المرأة فى غير الحد أو القصاص ففتح ثغرة بدلاً من أن يغلقها ويحل إشكالاً، أما صوت الطبرى وابن حزم وابن رشد، الذين أجازوا للمرأة أن تحكم، فقد كان واهناً ضعيفاً لا يمثل تياراً عاماً أو قوياً، فقد كانوا كمن يؤذن فى مالطة ويصرخ فى البرية ولا من مجيب، وبالطبع انتصر صوت الفقهاء الذين نفوا المرأة وقننوا قهرها، فآمن بآرائهم السواد الأعظم من رجال المسلمين نظراً لأنه لاقى هوى فى نفوسهم.