■ كانت مصر عفية.. وكانت اللحظة هى الأنسب لإعلان الشفاء، استردت ما فقدته من همة، واستعدت بما أوتيت من قوة وصلابة، وتسلحت بخطوات واثقة لرجال ذوى عزم وبأس، ولاؤهم لها شديد.. وإيمانهم بها أشد. كانت الساعة تقترب من الثانية ظهراً يوم السادس من أكتوبر، وكان اللواء «فؤاد عزيز غالى»، قائد الجيش الثانى الميدانى، فى مقره على الضفة الغربية للقناة يفتح مظروفاً «سرى للغاية» وتتهلل أساريره ويتنفس كما لم يتنفس من قبل.. عبرت الطائرات من فوق خوذة «فؤاد غالى» ليعطى بعدها الأمر لرجاله فيعبرون ويقتحمون النقاط الحصينة للعدو فى شرق القناة، ويسيطرون عليها فى دقائق معدودة، ويحررون القنطرة شرق ويأمنون رؤوس الكبارى للقوات القادمة من الغرب، ثم يحصنون الجبهة من القنطرة إلى بورسعيد فى وجه هجمات العدو المضادة. ■ كانت مصر عفية.. وكان اللواء «شفيق مترى سدراك» صامداً فى جبهة القتال طوال ست سنوات منذ يونيو 67، وحين دقت ساعة العبور عبر كقائد للواء مشاة فى الفرقة ال16 وتولى مسؤولية إحباط هجمات العدو المضادة فى القطاع الأوسط من سيناء، وهناك كان دمه يروى رمال الأرض المحررة، وكانت روحه الطاهرة تصعد فى سمائها التى يرفرف فيها علم مصر من جديد. ■ كانت مصر عفية.. وكان اللواء «ثابت إقلاديوس»، رئيس عمليات مدفعية الجيش الثانى الميدانى، شاهداً على استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس الأركان، فى الصفوف الأمامية للجبهة، ويومها تعهد «إقلاديوس» بالثأر لقائده الشهيد.. وفى حرب أكتوبر كانت مهمته جزءاً من إدارة نيران المدافع فى اتجاه أهداف العدو بالضفة الشرقية على طول خط المواجهة بالقطاع الأوسط من الجبهة، لتأمين القوات أثناء عبورها تحت ساتر من النيران. ■ كانت مصر عفية.. وكان المقدم «باقى زكى يوسف» رئيساً لفرع المركبات فى الفرقة 19 مشاة الميكانيكية، وتم انتدابه للعمل فى مشروع السد العالى، حيث شاهد تجربة تجريف الجبال من الرمال والأتربة باستخدام المياه المضغوطة، ومنها اخترع المدفع المائى الذى نسف الساتر الترابى خلال حرب أكتوبر، وفى يوم 6 أكتوبر كان «باقى زكى يوسف» مع زملائه يفتحون 73 ثغرة فى الساتر الترابى فى أقل من 3 ساعات عبر من خلالها جنودنا البواسل لتحرير الأرض. ■ كانت مصر عفية.. وكان العميد «نعيم فؤاد وهبة» من العناصر الأولى التى شكلت نواة قوات الدفاع الجوى، وحملت على عاتقها عبء حماية سماء مصر، التى كانت مستباحة.. شارك «وهبة» فى الحرب قائداً لكتيبة مضادة للطائرات قبل أن يكلف بقيادة إحدى وحدات الإعاقة للطائرات المعادية فى بورسعيد، ليشارك فى إسقاط المئات من الطائرات المعادية وحماية سماء مصر وتوفير حماية فائقة للقوات التى تعبر القناة وتقاتل بضراوة فى سيناء. ■ اليوم نحتفل بهؤلاء الأبطال وبنصر جلبوه مع آلاف الضباط والجنود، حين كانت مصر عفية برجال يستولدون النصر من رحم المستحيل، ولاؤهم المطلق لها، للوطن: التاريخ والجغرافيا والبشر، لا يشغلهم عنه شاغل، ولا يعطلهم عن بلوغ أحلامه مُعطل، ولا يحيد بهم عنه هوى. ■ كانت مصر عفية بهؤلاء الرجال ومن كانوا معهم، من سقط منهم شهيداً ومن عاد مصاباً، لم تفرق قذائف العدو وصواريخه بينهم، حملوا الهم نفسه وتجرعوا المرارة نفسها وعاشوا الألم نفسه، وحين نزفت دماؤهم على الرمال لم تفرق الأرض الطيبة بينهم، ولم تجد اختلافاً بين دم «صليب» ودم «هلال»، كلاهما كان له نفس اللون والطعم والرائحة! ■ جزء من نص مطول نشرته قبل عامين فى 6 أكتوبر 2008. [email protected]