انتفض عم سليمان فى غضب، لابد من تغيير هذا الوضع المزرى بأى شكل. حرام أن يُولد إنسان فيُجلد بالسياط حتى يموت. قلبه يأبى هذا، ضميره يأبى هذا. لابد أن يصنع شيئا ما بسرعة، فأيامه على الأرض معدودة، ويريد أن يصنع شيئا نافعا قبل أن يموت. يقولون إن مشاكل مصر كثيرة وحلولها مستعصية. بالتأكيد يوجد مئات الألوف من العلماء المصريين النابغين الذين يملكون حلولا علمية لحل مشاكلها المزمنة، ومستعدون لخدمتها بلا مقابل، بل الإنفاق عليها من جيوبهم، ولكن المستفيدين من الفساد لا يُمكّنونهم من ذلك. كان الفجر قد اقترب وعم سليمان يقطع الغرفة ذهابا وإيابا. إن أى تفكير منطقى بسيط يقوده إلى النتيجة التالية: لن يستطيع أحد أن يقدم شيئا نافعا لمصر ما لم يمتلك سلطة القرار. وفجأة.. سطعت الفكرة فى رأسه كالإلهام. لماذا لا يُنشئ حزبا اسمه «حزب الغلابة» يضم غالبية الشعب. ابتهج عم سليمان للفكرة، وقد بات يستعجل طلوع الشمس لجمع التوقيعات. لا يراوده شك فى أن الغلابة سيثقون به ويوقعون على الفور، فالبؤساء يعرفون بعضهم البعض بمجرد النظر، مكتوب على جبينهم بخط خفى: «غلبان». وبمجرد إشهار الحزب سيسعى إلى الترشح فى مجلس الشعب وربما الرئاسة أيضا، ولم لا؟.. أيها الأوغاد «سبارتكوس» محرر العبيد عاد من جديد. عبيد؟ يا ليتنا كنا عبيدا، على الأقل كانوا سيهتمون بإطعامنا ويخشون علينا من التلف باعتبارنا بضاعة، الآن يستعبدوننا دون أن يكونوا ملزمين بشىء، ولسان حالهم يقول: إذا سقط العبد جاء من خلفه عبيد!! - « سادتى ( هكذا راح عم سليمان يخطب فى ذهنه) اسمحوا لى أن أقولها بصدق: أنتم لصوص!!. لصوص لا تمتازون بشىء عن حرامى الفراخ والغسيل، فيما عدا أن هؤلاء يتعبون وأنتم تلعبون. هؤلاء يسرقون جوعا وأنتم تسرقون بطرا (وهنا يجلجل صوت عم سليمان فى الميكروفون) تحياتى لحرامية الفراخ والغسيل. سلام مربع للجدعان (وتدوى الموسيقى النحاسية). وهكذا راح عم سليمان يلقى خطابا ملتهبا على أعضاء حزب الغلابة، ويسمع تصفيقهم الجنونى. ومحمود ابن أخيه يحمل البطيخة ويصفق فى نفس الوقت لا يدرى كيف. وفى النهاية، سيعلن عم سليمان ترشحه لرئاسة الدولة. ولم لا؟ وهو يملك أعظم المؤهلات لقيادة البلد، فهو غلبان ابن غلبان من سلالة الغلبانين، ثم إنه يملك مزية إضافية، وهى أنه مريض بالسرطان فى مرحلة متأخرة، وهذا معناه أنه لن يجثم على أنفاس الشعب، إذا أدركه الضعف البشرى، وأعجبته حكاية السلطة والثروة. (قالها عم سليمان فى الميكروفون بصوت مجلجل وهو يلوح بالتقارير الطبية) أنا متسرطن يا جدعان. وهنا سمع عم سليمان الزغاريد والهتاف الجنونى داخل رأسه بكل وضوح: عاش عم سليمان زعيم الغلابة. عاش سبارتكوس محرر البطيخ.