بداية لابد أن نعرف أن الله عز وجل خلق الإنسان ولم يشاوره، إذن جىء بالإنسان إلى هذا الوجود، والذى جاء به هو الله الخالق.. والله لم يخلق الإنسان عبثاً ولم يخلق أى شىء عبثاً، إنما خلقه لرسالة يؤديها فى حركة الحياة وأرسل الله للإنسان الرسل، وأنزل الله على الرسل الكتب.. ومما هو واضح لدى الباحثين أن الله سبحانه قد زود الإنسان بقوة الوعى الثلاثى، قال تعالى: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات فى جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون» (سورة النحل: الآيتان 78 - 79).. فبقوة الوعى الثلاثى يحلق الإنسان - ذكرا وأنثى - فى جو السماء بكامل حرية النزوع والتطلع، دون محدودية فى العلم أو النزوع الإنسانى.. ومن هنا كان الإنسان مسؤولاً عما أعطاه الله من الوعى الثلاثى. قال تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً» (سورة الإسراء: الآية 36).. ففى هذا دعوة إلى إيقاظ المشاعر، وتوجيه ملكات الإنسان إلى هذا الوجود، والقوى الثلاثية التى هيأ الله الإنسان عليها من السمع والبصر والفؤاد، قوى قادرة على تحصيل العلم، والمعرفة والارتقاء بالإنسان. فعباد الرحمن الذين عاش الإيمان فى نفوسهم أملاً وحقيقة، وتجسد فى حياتهم سلوكاً ووقائع، خطا بهم الفؤاد خطوات واسعة.. لهذا لم يستقبلوا هذا الإيمان استقبال الجاهل المتحجر، والتابع المقلد الذى يبنى إيمانه على التلقين، ويتعامل مع الأفكار وهو غائب الوعى، ذاهل الحس. إن عباد الرحمن يرفضون الجمود، والتحجر، ولا يرضون أن يعيشوا فى حركة الحياة دونما وعى ورؤية، وعقلانية.. إذن هؤلاء يتعاملون مع الأفكار، ويستقبلون الحقائق، ويتناولون الأمور بوعى وفهم يستبطن حقائق الأشياء، ويدرك أغوار الظواهر.. فعباد الرحمن حينما تعرض عليهم آيات الله التشريعية، والسلوكية والكونية يخرون عليها بوعيهم السمعى والبصرى والفؤادى.. لذا تراهم يتفحصون الأشياء، ويعملون عقولهم فى إدراك مداليلها وعطاءاتها. والإنسانية تستطيع بقوة الوعى الثلاثى أن تنطلق فى كون الله لتشاهد الحقائق، وتصل إلى قوانين الله فى أرضه، وتعرف أن الله حق. قال تعالى: «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» (سورة فصلت: الآية 53).. وما فى كون الله لا يصل إليه الجامدون، والمتحجرون، والمتنطعون الذين شغلوا المجتمع الإسلامى، وما زالوا له شاغلين، بكل ما هو بعيد عن منهج الله، ولهذا تخلفت الأمة عن ركب الحضارة، رغم أنها تملك كل آليات الحضارة.. فهل نفيق؟ د. أحمد عبدالرحيم السايح عضو المجامع العلمية