اهبش واجرى، شعار هذه المرحلة اعتمده وارتضاه ذوو الضمائر البلاستيكية والقلوب المتحجرة، من أجل استباحة جيب المواطن المصرى وشرفه وعقله ووجدانه وكرامته وربما حياته كلها، اهبش واجرى أوضح ثمار الإصلاح الاقتصادى المزعوم، الذى صدعنا به النظام منذ 30 سنة حتى يومنا هذا. ولم يزد حصادنا منه على مجموعة منتقاة من لصوص الأراضى والقروض ونواب المخدرات وسفاكى الدماء والمرتشين والمحتكرين والمزورين واللاعبين بالبيضة والحجر، اهبش واجرى، تكريس غير مسبوق للفساد والفوضى والتسيب وغياب القانون واللامنطق واللانظام واللاتغيير واللا أى حاجة فى أى حاجة، اهبش واجرى شعار زرعه فى كل زقاق وشارع وقرية ومدينة ومحافظة، محتالون قادرون على ارتداء جميع أثواب الملائكة والشياطين، وعارفون بأقصر الطرق لجمع المال، مرة باسم الجمعيات الخيرية وثانية باسم التجارة فى كروت الشحن. وثالثة باسم توظيف الأموال، ورابعة - وهى الأخطر - باسم المضاربة والتلاعب فى السلع الاستراتيجية، التى تمثل عصب حياتنا، وعند هذه النقطة الأخيرة يجب أن أتوقف، لأن السلع الاستراتيجية ملف أمن قومى والمساس به هو مساس مباشر بالأمن القومى المصرى، وقد لاحظنا فى الفترة الأخيرة أن هناك عدم اكتراث بالسلع الاستراتيجية وأن هناك طائفة تتبع سياسات من شأنها الإضرار بهذه السلع عن طريق ممارسات كانت ولاتزال تسبب هزات عنيفة لها. فعلى سبيل المثال ومع بداية العام الماضى حدث ارتفاع مطرد فى أسعار الحديد بدأ من ثلاثة آلاف جنيه فى شهر يناير، حتى بلغ ثمانية آلاف جنيه قرب نهاية العام، وبعد أن ربح من ربح وهبش من هبش، واستفاد من استفاد ودفع المواطن وحده الثمن، وبعد أن خربت مالطا، تذكرت حكومتنا الذكية أن هناك أزمة وأن هناك شعبا مستباحا، لذلك رأت ضرورة التحرك لفعل شىء حفاظًا على ماء الوجه. وبعد مناقشات ومداولات ومحاورات وافقت على كسر الاحتكار وفتح باب الاستيراد لوقف عمليات التعطيش المفتعلة من جانب المصانع المنتجة والتجار، وبالفعل نزل الحديد - بسلامة الله - من برجه الوهمى إلى أرض الواقع وأصبح فى المتناول وتوتة توتة لكن لم تنته الحدوتة لأنها مسلية ومفيدة للحيتان، وفى التكرار يربح الكبار. وكما ارتفعت أسعار الحديد فى العام الماضى كان لابد من إرضاء أصحاب شركات الأسمنت هذا العام «ومافيش حد أحسن من حد»، وجيب المواطن جاهز للشفط واللهط والتقطيع، وكان لابد كذلك من سيناريو مناسب لتقليل المنتج وتعطيش السوق ورفع الأسعار ليطمئن أصحاب شركات الأسمنت، ويتأكدوا من أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان. ويشتعل موسم المضاربة فى ظل الرهان على المزيد من الجدل والمزيد من الوقت حول من المسؤولون عن الأزمة، هل هم أصحاب المصانع أم تجار الجملة أم تجار التجزئة؟ هل هو غياب الرقابة أم عدم تفعيل القانون أم احتكار الأجانب؟ وكالعادة يلتقط عباقرة المحللين والكتاب وفلاسفة السياسة والاقتصاد الطعم، ويمطروننا بفتاواهم، وبين الرأى والرأى الآخر، يمر الوقت سريعًا، ويمضى قطار الهبش فى طريقه. ومثلما توزعت قروش المواطنين سابقاً بين كروش أباطرة الحديد تعاد الكرة، وتستمر أسعار الأسمنت فى الصعود، ومثلما شبع تجار الحديد ستنتظر الحكومة حتى يشبع تجار الأسمنت، وبعدها سيستيقظ الضمير الحكومى ويفيق من سباته وستفتح العيون النائمة مع سبق الإصرار والترصد، وستنهال القرارات العنترية، مثل إغلاق باب التصدير وزيادة منافذ البيع وإعطاء التراخيص لمصانع جديدة، وسيسقط الأسمنت هو الآخر من برجه العاجى إلى أرض الواقع إلى حين تبدأ شركات الطوب هى الأخرى فى البحث عن آلية لتنفيذ نفس السيناريو فى أوائل العام القادم، حتى تضمن حقها من التورتة، وبعدها أصحاب محاجر الزلط.. إلخ إلخ. بصراحة حدوتة سخيفة ومعكوكة وملتوتة ومسيئة لأى مسؤول محترم، وتكرارها يمثل اعتداء صارخاً على مقدرات المواطن المصرى واستباحة لمستقبل الأجيال القادمة، تستوجب التجريم، وحرام أن تكون تكلفة سعر الطن من الأسمنت 160 جنيهاً ثم يقفز سعر الطن فى هذه الأيام إلى أكثر من 600 جنيه، وحرام أن تصل أرباح شركات الأسمنت فى العام الواحد إلى أكثر من 10 مليارات جنيه، أى ما يزيد على ميزانية وزارة الإسكان بكاملها. يا سادة، صدقونى إن شعار اهبش واجرى بات أوضح الشواهد على ما يحدث فى سوق الأسمنت، الذى بيعت شركاته بتراب الفلوس، ونفخت أرباحه جيوب الغرباء والمرتزقة، ويكفى الإشارة هنا إلى أن المستثمر الذى قام بشراء شركة حلوان للأسمنت، باعها بعد 7 أشهر بربح مليار جنيه، بالإضافة إلى أن معظم المستثمرين استردوا قيمة الشركات التى اشتروها بعد عامين فقط من عملية الشراء. النظام الموجود فى مصر جعل أرض الكنانة مقبرة للفقراء وواحة للأغنياء، نما الاحتكار وقضى على المنافسة الشريفة، وترك الحبل على غاربه لمن يجيدون العزف على أوتار السلب والنهب والتهليب. يا سادة، الأسمنت من تراب مصرى ومعجون بالعرق المصرى، وبيد مصرية، وعلى أرضنا الطاهرة، ولا يصح أن نجنى منه فقط استنزاف الموارد وخراب الجيوب والتلوث البيئى، ومص الأصابع حسرة على ما فات وخوفاً مما سيأتى، لقد شبعنا من الحواديت الملتوتة، وأتساءل: إلى متى سنرضى أن نكون الضحية؟ [email protected]