وصف الدكتور محمد عوض، مدير مركز الدراسات فى مكتبة الإسكندرية، الحاصل على الدكتوراه فى فلسفة العمارة، ما يحدث للتراث المعمارى فى محافظة الإسكندرية حالياً بأنه «تخريب منظم» للتراث المعمارى، وتشويه ومسخ للحضارة، لافتاً إلى أن المحافظة بها 1135 مبنى أثرياً يجب المحافظة عليها، وكشف عن نزع «البازلت» الأثرى من الميناء الشرقى وتصديره إلى أوروبا. أضاف عوض فى حواره مع «المصرى اليوم»، أن نوايا المسؤولين فى ردم الميناء لم تكن خالصة، وإنما مدفوعة بأهداف أخرى، متهماً جهاز التنسيق الحضارى، بالتقاعس عن أداء دوره وهو ما أدى إلى هدم العديد من الفيلات الأثرية المهمة فى المحافظة وبناء أبراج سكنية بدلاً منها. * من خلال خبرتك العريضة فى مجال العمارة، ماذا يحدث للتراث المعمارى فى الإسكندرية حالياً؟ - بعض القائمين على التطوير فى المحافظة يفتقرون إلى الرؤية، والشعور بأهمية المناطق والأماكن التى يقومون بتطويرها، وما يحدث هو عمليات تشويه، ومسخ للحضارة، وتخريب منظم للتراث، فنحن فى الإسكندرية ليس لدينا حتى الآن إدارة للتراث طبقاً للقانون 144 لسنة 2006، وطالبنا منذ 6 أشهر بتشكيل لجنة فنية لإدارة التراث ولم يرد علينا أحد، وأصبحت المبانى التراثية لا مرجعية لها، ولا يراعيها أحد، وأى مواطن يريد بناء طابق إضافى أو إزالة طابق فى مبنى أثرى أو إزالة فيلا أثرية فإن ذلك يتم بسهولة. * هل هناك نماذج واقعية على هذا التخريب؟ - هناك أحياء تراثية بالكامل يتم التخريب فيها، مثل الحى اللاتينى، والحى اليونانى، ومنطقة الفيلات، والميناء الشرقى، وحتى بحيرة كنج مريوط لم تنج من التخريب. * نريد توضيحاً أكثر لصور التخريب فى المناطق التى أشرتم إليها. - فى منطقة الميناء الشرقى يتم نزع البلاط الأثرى وهو بلاط رخامى مستورد من «تريسنا» فى إيطاليا منذ أكثر من 100 عام، وقبلها أزيل البازلت من الأرصفة، وعلمت من أحد الأشخاص أن هذا البازلت يتم تصديره إلى أوروبا، وحتى أعمال الحماية التى تتم فى منطقة المنشية، وعلى الشاطئ، وعلى الكورنيش غامضة وتتم بصورة خاطئة، وأصلاً حكاية الحماية هذه عبارة عن كلام فارغ. * ما المقصود بكلمة «كلام فارغ» التى تصف بها أعمال الحماية؟ - منذ أكثر من 50 عاماً ونحن نلقى «بلوكات» فى المياه لحماية الشواطئ وانتهى الأمر، رغم أنه ليس هناك بلد فى العالم لديه ميناء يردمه، ولكن ما حدث أثبت أن نوايا المسؤولين للردم لم تكن للحماية. * وماذا كانت نواياهم إذن؟ - لا أعرف، لكن قيل إنه لتوسيع المحكمة، أو النادى، أو لإنشاء جراجات، وقيل أشياء كثيرة، لكن هناك أجندة خفية وراء أعمال الحماية. * وكيف تنظر إلى أعمال ردم بحيرة كنج مريوط؟ - لا يوجد أحد يردم بحيرة طبيعية، فالدول تنشئ بحيرات صناعية للترفيه عن الناس، بالإضافة إلى أن بحيرة مريوط منطقة تراثية لا يصح التعدى عليها أو ردمها. * وماذا عن المبانى والفيلات الأثرية التى يجرى تخريبها؟ - يوجد فى الإسكندرية 1135 مبنى لابد من صيانتها والمحافظة عليها باعتبارها تراثاً معمارياً، والآن يتم إخراج عدة فيلات من قائمة التراث وهدمها وبناء أبراج مكانها، ونحن نعترض على ذلك، لكن جهاز التنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة، المنوط به حماية التراث المعمارى، لا يقوم بوظيفته، وأصبح جهاز «التخريب» الحضارى. * وكيف يتم إخراج الفيلات الأثرية من القائمة رغم وجود قانون يحظر ذلك؟ - هناك لجنة للتظلمات تتبع جهاز التنسيق الحضارى، تقبل أى طلبات بالإخراج، وهناك بعض التلاعبات التى تحدث داخل هذه اللجنة، فمثلاً هناك فيلتان فى شارع محمد فريد تابعتان لحى شرق، وهما فى قائمة التراث ولهما طراز معمارى مميز، لكن ملاكهما قدموا تظلمات إلى اللجنة، وقبل حضور اللجنة تم دهانهما باللون الأسود كأنهما احترقتا، وأزيلت الشبابيك منهما، فقررت اللجنة إخراجهما وأقيمت مكانهما أبراج شاهقة. * هل يمكن اعتبار هدم فيلتين فقط ظاهرة على تخريب المبانى التاريخية فى المحافظة؟ - أقول إن التخريب منظم لوجود أكثر من حالة تحت يدى بالصور، مثل الفيلا 69 التى تم هدمها، والفيلا 19 شارع المأمون والمعروفة باسم «فيلا أمبرون» وهى الفيلا التى عاش فيها ملك إيطاليا فيكتور كمانويل الثالث، وكذلك عاش فيها الكاتب الإنجليزى الشهير ديفيد هربرت لورانس، مؤلف «رباعية الإسكندرية»، ويجرى الآن تخريبها، وأيضاً الفيلا 656 شارع جمال عبدالناصر، التابعة لحى شرق، والفيلا 17 شارع المصحة التابعة لحى شرق أيضاً، وهى من طابق واحد ولا يوجد منها فى محافظة الإسكندرية سوى 3 فقط وتم إخراجها من القائمة، والأغرب هو إخراج الفيلا الوحيدة التى بنيت خلال ال(50) عاماً الماضية، وغيرها كثير من الفيلات التى يتم تخريبها مثل فيلا رشاد عثمان فى 35 شارع كفر عبده. * وأين كنتم منذ بدء عملية تخريب هذه الفيلات؟ - وضعنا قائمة التراث ومعها اشتراطات المناطق التراثية، ووافق عليها مجلس الوزراء ونشرت فى «الوقائع المصرية»، وحتى اليوم لم تبلغ بها المحليات، أو التخطيط العمرانى نتيجة تقاعس جهاز التنسيق الحضارى عن أداء دوره. * ما الذى يمكن عمله بسرعة للحفاظ على هذا التراث المعمارى؟ - أطالب بتشكيل لجان محايدة بعيداً عن المصالح الشخصية للمحافظة على التراث المعمارى الحضارى للمدينة، واستطلاع رأى أهل الخبرة قبل الشروع فى تغيير بلاط الكورنيش، أو أعمال حماية الميناء الشرقى، أو إخراج أى مبنى أثرى من القائمة.