فى الوقت الذى ظل فيه رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون يؤكد إمكانية احتواء الأزمة المالية والتغلب عليها خرجت الأرقام الحكومية لتكذب ذلك، وتفتح عليه أبواب الانتقادات ومطالبات له ولحكومته بالاعتراف بتحمل جزء من المسؤولية كبداية لإصلاح الاقتصاد. وحتى الأمس ظل براون ومعظم المسؤولين فى حكومته يؤكدون دور المؤسسات المالية فى الأزمة ومسؤولية المدراء التنفيذيين فى البنوك عنها، لكن لم يخرج أحد منهم لتحمل جزء من المسؤولية أو يعترف بالفشل فى توقع حجم الكارثة، حتى جوردون براون حين اعترف بالفشل فى رؤية حجم التعقد فى الأزمة المالية العالمية، فى حديث مع «راديو 4» البريطانى، عاد ليتراجع بشكل غير مباشر مؤكدا أن الحكومة لم تدرك تلك التعقيدات مثلها مثل العالم كله، ليعود إلى نقطة الصفر من جديد فهو لم يعترف بأى قدر من المسؤولية. وعلى الرغم من أن براون كان فى السابق وزيرا للمالية فإنه يركز فى هجومه على البنوك والمسؤولين عنها رافضا الاعتراف بتحمل جزء من المسؤولية عن تلك الفترة التى كان خلالها مسؤولا عن القطاع المالى فى بريطانيا خلال التسعينيات، وفى أحد المؤتمرات الصحفية طلب أحد الصحفيين من براون أن يعترف بأن «الأزمة المالية بدأت خلال فترة مسؤلويته»، فكان رده مركزا على دور أمريكا فى الأزمة قائلا «حين تأثرت البنوك الأسكتلندية بالأزمة، كانت المشكلة فى الرهن العقارى الذى يقومون به وتلك العمليات لا تخضع لرقابة وإشراف بريطانيين ولكن أمريكيين». ولم يسر براون خلف المتحدثين عن نظام جديد لكنه لايزال متمسكا بإصلاح النظام القائم، وكانت المناقشات المستمرة تدور حول «إعادة إطلاق» النظام الاقتصادى الحالى، وكان وعده كخطوة أولى للإصلاح هو إعادة قروض الرهون العقارية إلى معدلها السابق فى 2007، لكن المشكلة هى أنه بهذه الطريقة يحاول العودة إلى نفس النظام ونفس الأخطاء والمشكلات. وبعد التطورات الأخيرة اتضح للجميع، حتى لبراون أيضاً، أنه لن يكون هناك عودة لذلك العقد الذهبى الذى لم تكن فيه أى خيارات صعبة واستمر النمو الاقتصادى دون أى مشكلات، ولذا بدأ براون وحكومته فى البحث عن شىء جديد يقولونه للناس بعد إعلان الدخول فى مرحلة ركود ستكون أسوأ مما حدث فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى. وطبقا للكاتب البريطانى «ماثيو باريس»، فالركود الحالى ليس فشلا لاقتصاديات السوق، لكنه جاء «لأننا دفعنا لأنفسنا أموالا أكثر من الإنتاج الفعلى الذى نقدمه»، مما خلق نوعا من الرفاهية الكاذبة التى خدعت الكثير من المواطنين لكنها انهارت الآن. ويرى ماثيو أن هذا الانهيار جاء منطقيا تماما بل يمكن القول إنه بداية تصحيح سلسلة طويلة من الأخطاء والثقة الزائدة عن الحدود. ولصعوبة المشكلة اعتبرت صحيفة «تايمز» البريطانية أنه لن يكون بمقدور السياسيين فعل الكثير فى هذا الموقف، وأضافت أن أفضل ما يمكن للحكومة عمله هو مساعدة بريطانيا للتعرف على حقيقة الأزمة والقبول بأن البلاد ستكون أقل ثراء وتنضم إلى المجموعة الثانية فى العالم بدلا من الأولى.