الإخوان المسلمون فى مصر جماعة تشكل، بامتياز، معضلة سياسية لكل المصريين، لأنها متواجدة فى الشارع والبرلمان بشكل وحجم يصعب تجاهلهما، ولكنها من جانب آخر فى معظم الأوقات جماعة محظورة فى العهود الملكية والجمهورية لثلاثة أسباب: أولها لأن الجماعة لا تؤمن بالدولة المصرية الحديثة، التى خرجت إلى الوجود مع تصريح 28 فبراير 1922، وجسدها دستور 1923 وما تلاه من دساتير، وتفضل عليها مشروعاً آخر لدولة خلافة إسلامية لا يزيد كل ما سبقها على كونه مرحلة من مراحل التطور والتمكين. وثانيها أن الجماعة لديها القليل من الاعتقاد فى فكرة الدولة بقوانينها ودساتيرها وقواعدها بشكل عام وتفضل عليها دائماً تعبير «الأمة» الممتدة من سواحل المحيط الهادى فى إندونيسيا إلى سواحل المحيط الأطلنطى فى المغرب العربى، ولا تراها إلا فى إطار «الأمة» الجامعة، التى لا تعرف قضية ولا معضلة فى أن يتولى أى منها بالعصبية أو بالمنعة مقاليد الأمر بين المسلمين. وضمن هذا الإطار لا تزيد مصر على كونها محض نقطة فى بحر - أو محيط - من الشعوب والجماعات والدول. وثالثها أن الجماعة من منطلقات «إسلامية» و«دينية» تراها وتعتبرها فى النهاية «مرجعية» سياسية تتجاوز الدستور وتعلو عليه، تقف من المرأة والأقليات غير الإسلامية موقفاً تمييزياً بدعوى حمايتها تارة، أو عدم تحميلها بما لا تطيق أحياناً أخرى، ولكنها فى كل الأحوال تقوم على التمييز والتفريق بين الجماعات والطوائف على أساس من الدين والمذهب. مثل هذه الأسباب الثلاثة لحظر الإخوان لا تظهر أبداً بمثل هذا الوضوح فى فكر الإخوان، ويحتاج الأمر لقدر غير قليل من التنقيب والمساءلة، لكى تظهر الحقيقة فى عبارات صريحة تفرض الجزية على المسيحيين أو تجعل من مصر كلها «طزاً» كبيراً. ولذلك لم يكن مدهشاً أن يدخل الإخوان فى مواجهات سياسية وأمنية مع جميع العصور والعهود، لأنه ليس معقولاً أن تعطى دولة الأمان والحرية السياسية لجماعة «سياسية» لا تؤمن بوجودها وشرعية أصلها من الجذور. ومع ذلك فقد طرح فوزهم فى الانتخابات الأخيرة هذه المعضلة من جديد، وكان هناك من داخل الإخوان من حاول حلها عن طريق الحديث الكثير عن الدولة المدنية، والمساواة فى الحقوق والواجبات على أساس من «المواطنة». ورغم أن برنامج الإخوان الذى طرح فى أغسطس 2007 شكل نكسة كبرى فى هذا الاتجاه، فإن «عقلاء» الجماعة سرعان ما تنصلوا منه باعتباره محض أفكار مطروحة للبحث، وجاءت من جناح محافظ لا يعرف كثيرا عن العالم المعاصر. أزمة غزة الأخيرة كانت فرصة كبيرة للجماعة، لكى تعمل كحركة سياسية «مشروعة» بالمعنى العملى للكلمة حينما تلتف حول القيادة السياسية ساعة أزمة خارجية صعبة. ولم يكن مقصوداً من ذلك أن تؤيد سياسات الحكومة، لأن معنى ذلك أن تتخلى عن واجباتها فى المعارضة، ولكن الاعتراض على سياسات الحكومة أمر، وإثارة الرأى العام ودعوته للخروج والتظاهر فى لحظة دعت فيها زعامات أجنبية إلى نفس الهدف أمر آخر. وجاء الوقوف الكامل مع إيران وزعامات حزب الله وسوريا وحماس فى كل ما تدعيه أمراً مدهشاً من جماعة سياسية مصرية كان عليها فى كل الأحوال أن تنظر بكل الجدية لما تقوم به السلطات المصرية سواء اتفقت معها أو اختلفت بعد ذلك. وحتى عندما جرت عمليات التظاهر والهجوم على السفارات المصرية – وهى فى هذه الحالة تمثل مصر كلها - لم يصدر عن الجماعة بيان استنكار واحد، أو عندما جرت هجمات على قوات الأمن المصرية على الحدود مع غزة تبنت الجماعة فورا رواية حماس، وبدا أن الاعتداء على المصريين لا يخص الجماعة فى كثير أو قليل. كل ذلك يعود بنا إلى أول الدائرة كلها وهى أن الفرصة التى سنحت للإخوان لإظهار موقف مختلف من «الدولة» – وليس الحكومة أو النظام السياسى - المصرية، قد ضاعت. أما من الناحية السياسية البحتة حيث يكون الاختلاف والاتفاق ممكنين فإن الجماعة لم يكن لديها لا الحصافة ولا الشجاعة، لكى تضع الحركة السياسية خلال الأزمة فى إطارها الإقليمى بحيث تقارن بين دولة مصر، التى كانت تفعل كل شىء من أول الإغاثة وحتى السياسة العملية، ودول أخرى لم يكن لديها أكثر من الكلام والبيانات وزعيق الفضائيات. وحسبنا الله وهو نعم الوكيل ؟!