فى زيارته الرسمية إلى روسيا فى نوفمبر الماضى وجه الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، دعوة للجانب الروسى للمشاركة فى بناء أول محطة نووية مصرية لتوليد الطاقة الكهربائية ضمن المشروع النووى المصرى المعلن عنه منذ عامين، وأكد الدكتور نظيف خلال لقائه مع الشركات ورجال الأعمال الروس أن التعاون مع روسيا ضرورى عند تنفيذ المشروع الاستراتيجى والحيوى لمصر لأنها- أى روسيا - «تتمتع بخبرة كبيرة وغنية فى هذا المجال وأننا مهتمون بالاستفادة من الخبرة الفنية الروسية فى مجال إعداد الكوادر وفى مجال توفير أمن المنشآت النووية وإداراتها». وخلال الزيارة أيضا وقع الدكتور نظيف مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين وثائق حول التعاون فى مجال الطاقة الذرية فى الأغراض السلمية. وأعلنت روسيا على لسان بوتين أن خبراءها فى المؤسسة الوطنية للطاقة الذرية «روس آتوم» مستعدون للتعاون والتشاور مع مصر والخبراء المصريين فى هذا المجال. وعقب الزيارة كانت التوقعات تؤشر إلى اختيار شركة روسية لتنفيذ مشروع أول محطة نووية لتوليد الكهرباء فى مصر نظرا للخبرة والتقنية العالية المتقدمة لدى روسيا فى بناء المحطات النووية والامتيازات، التى تقدمها فى عقود الصيانة الدورية وعقود إمدادات الوقود النووى وهو سر سيطرة روسيا على سوق التكنولوجيا النووية فى عدد من دول الشرق الأوسط والهند و حتى أوروبا رغم الضغوطات المتزايدة والهائلة من الجانب الأمريكى والأوربى للحيلولة دون وقوع « غزو روسى كاسح» لسوق التكنولوجيا النووية. إلا أن إعلان اختيار شركة بكتيل الأمريكية لتنفيذ مشروع المحطة النووية المصرية من بين الشركات والتحالفات العالمية ذات الخبرة جاء بمثابة المفاجأة لدى بعض المراقبين والخبراء فى مجال الطاقة النووية بل لم يستبعدوا فى تفسيرهم الصراع المستمر بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية فى سوق التكنولوجيا النووية والضغوطات الأمريكية لمنع استحواذ روسيا عليه، وهو ما يفسر فى جانب منه الموقف الأمريكى من المشروع النووى الإيرانى بالاستعانة بالخبرة الروسية لبناء محطة توليد الكهرباء فى بوشهر ومحاولة إجهاضه. وخلال الأعوام الأخيرة فشلت الولاياتالمتحدة فى وقف المد الروسى لبناء محطات نووية للاستخدامات السلمية فى الهند وبلغاريا، والأخيرة تعتبر إحدى مناطق النفوذ الأمريكى والعضو فى حلف شمال الأطلسى وهى إحدى دول شرق أوروبا التى تستضيف قواعد عسكرية أمريكية، ومع ذلك تمكنت روسيا عقب زيارة بوتين لبلغاريا من الفوز بصفقة بناء وتنفيذ محطة نووية للطاقة الكهربائية ضمن مناقصة دولية شاركت فيها شركات عالمية منها شركة ويستنجهاوس الأمريكية وسيمنس الألمانية وأريفا الفرنسية، وهو ما جعل المراقبين يصفون الفوز بأنه «انتزاع بلغاريا من الأحضان الأمريكية»، وقدمت روسيا جميع الضمانات والامتيازات والتسهيلات للمشروع وأعلنت عن تقنية جديدة تماما تستخدم لأول مرة فى بناء المحطات النووية والمعروفة باسم «المصيدة» وهى تقنية أمنية تستطيع تشخيص أى حالة انصهار فى المفاعل بسبب ارتفاع الحرارة واحتوائها وتغطيتها لإعادتها لدرجة الحرارة العادية وهذه التقنية غير متوافرة لدى الشركات المنافسة. بل أعلنت روسيا أنها ستقدم قرضا لبلغاريا بقيمة 3.8 مليار يورو لتنفيذ المشروع لتفويت الفرصة على الضغوطات الأمريكية والأوروبية. وفى الهند وقعت روسيا فى بداية ديسمبر الماضى اتفاقا لإنشاء 4 مفاعلات نووية إضافية فى محطة كودانكولام الهندية، وفى نوفمبر الماضى أعلنت روسيا وفنزويلا توقيع اتفاقية للتعاون فى مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض الذرية خلال جولة الرئيس الروسى دميترى ميدفيديف لعدد من دول أمريكا اللاتينية ومنها فنزويلا. لكن يبدو أن أحلام ورغبات روسيا لاختراق السوق النووية الوليدة فى عدد من الدول العربية والتى أعلنت عزمها إنشاء محطات نووية للطاقة الكهربائية مازالت صعبة وعصية على التحقق ليس بضغوطات أمريكية فقط وإنما برغبات وإرادات عربية فى المقام الأول، لأن كل لبيب مسؤول فى دولنا العربية الكبيرة والصغيرة بالإشارة يفهم بالتأكيد فالزيارات إلى روسيا مسموح بها والتصريحات الودية لا بأس بها وإنما التطبيق على أرض الواقع والدفع بالعلاقات مع روسيا خطوات إلى الأمام مازال من المحظورات فقط لدى عدد كبير من الدول العربية حتى لو كان ذلك للمصلحة العامة والمشاريع الاستراتيجية والحيوية، وهو ما يفسر لنا فى جانبه الاقتصادى فوز الشركات الأمريكية دائما فى المناقصات المطروحة للمشروعات فى الدول العربية وآخرها بكتيل فى المشروع النووى المصرى وفى عدد من دول الخليج. لا نشكك فى إجراءات المناقصة التى تمت ولكن يبقى لنا حق التساؤلات المشروعة حول اختيار الشركة الأمريكية والمعروف عنها تخصصها فى مشروعات الإنشاءات المدنية وإعادة الإعمار ومد خطوط الغاز ولم يعرف عنها خبرتها فى مجال بناء المحطات النووية. وهل يمكن الكشف عن تفاصيل عرض الشركة الأمريكية والبروتوكولات الملحقة والسعر الذى تقدمت به، وهل يمكن الإعلان عن باقى عروض الشركات المتنافسة الأخرى؟ ننتظر الإجابة بوضوح وشفافية.