وقد اختلف الناس فى عقيدة ابن عربى، وفى الحكم عليه، أشدّ الاختلاف، فبعضُهم رفعه إلى عِلّيين، وبعضهم وضعه مع الزنادقة والملحدين، ومن الآخرين نائب الإخوان على لبن الذى وصف ابن عربى فى طلب إحاطة ب«المتصوف المتطرف». سلطان العارفين هو المتصوف الكبير الإمام محيى الدين محمد بن على بن محمد بن عربى الحاتمى الطائى الأندلسى، ولد بمرسية فى الأندلس فى شهر رمضان عام 558ه الموافق 1164م، وتوفى فى دمشق عام 638ه الموافق 1240م، ودفن فى سفح جبل «قاسيون». كان أبوه على بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف، وما كاد لسان الصغير يبين حتى دفع به والده إلى أبى بكر بن خلف، عميد الفقهاء فى إشبيلية، فقرأ عليه القرآن الكريم بالسبع فى كُتاب الكافى، فما أتم العاشرة من عمره حتى كان مبرزاً فى القراءات ملهماً فى المعانى والإشارات، ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث والفقه، تنقل بين البلاد واستقر أخيرا فى دمشق طوال حياته، وكان واحدا من أعلامها حتى وفاته عام 1240 م. ونذكر هنا عقيدة الشيخ كاملة، كما ذكرها هو فى مقدمة كتاب «الفتوحات المكية» تحت عنوان «عقيدة الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى رحمه الله»، وتحت عنوان «قول فى الله» يقول: «فيا إخوتى وأحبائى رضى الله عنكم، أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله تعالى فى كل لحظة وطرفة، أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد الله تعالى وملائكته، ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا، أن الله تعالى إله واحد، لا ثانى له وألوهيته منزه عن الصاحبة والولد، مالك لا شريك له، ملك لا وزير له، صانع لا مدبر معه، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده، بل كل موجود سواء مفتقر إليه تعالى فى وجوده، فالعالم كله موجود به، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان ولا بعرض فيستحيل إليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدس عن الجهات والأقطار، مرئى بالقلوب والأبصار، إذا شاء استوى على عرشه كما قاله وعلى المعنى الذى أراده، كما أن العرش وما سواه به استوى، وله الآخرة والأولى، ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول، لا يحده زمان ولا يقله مكان، بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان، خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان وقال: أنا الواحد الحى لا يؤوده حفظ المخلوقات ولا ترجع إليه صفة كم يكن عليها من صنعة المصنوعات، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان ولا شىء معه فإن الله قبل والبعد من صيغ الزمان الذى أبدعه فهو القيوم الذى لا ينام والقهار الذى لا يرام ليس كمثله شىء». لو فهم النائب على لبن تلك المقدمة، لفاء إلى الله، وقال فى الشيخ قولا سديدا، ولو طالع كتاب «الفتوحات المكية» لغرف من بحر الذخائر، ولو تعمق فى سيرته كما وردت فى كتاب «شمس المغرب» تحت عنوان «سيرة الشيخ الأكبر محيى الدين بن العربى ومذهبه» للدكتور محمد حاج يوسف، لعرف للشيخ قدره، ولو استمع لابن عربى بصوت الشيخ ياسين التهامى لهام عشقا بسلطان العارفين. لله فى خلقه شؤون، وكأن ابن عربى ينقصه الإخوان على آخرالزمان، الإخوان قطعوا شوطا فى تكفير الأحياء، حان وقت الثأر من الأموات، ابن عربى صار متطرفا، ألا إنهم هم المتطرفون ولكن لايشعرون.