ما الذى يجعل شعباً عريقاً، جذوره ضاربة فى التاريخ، يعانى ظروفاً اقتصادية طاحنة، متوسط دخل الفرد فى مستوى متدن، تنتشر فيه البطالة بين الشباب، ومع ذلك ينفق على المخدرات أضعاف ما ينفق على القمح؟! الأسبوع الماضى كتبت عن الإحساس بعدم الأمان الذى نشعر به جميعاً، خاصة بعد انتشار العنف فى ارتكاب الجرائم من أجل السرقة، وأرجع البعض ذلك إلى الفقر والإحباط وانتشار الفساد وغياب الديمقراطية، ولكن هناك جانباً آخر لفت انتباهى إليه بعض القراء، وكنت أعتقد أنه ليس ظاهرة، وهو تعاطى الشباب للمخدرات بنسبة عالية. هذا المشهد أصبح متكرراً فى كل شارع تقريباً، خاصة الشوارع الجانبية، علناً وأمام المارة وساكنى العمارات، ستجد مجموعة من الشباب «تلف» سجائر الحشيش دون خجل أو خوف. فإذا تأملت ملامح وتفاصيل هؤلاء الشباب ستعرف، من أول نظرة، أنهم ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، وأنهم إما طلبة فى المرحلة الثانوية أو عاطلون، فمن أين يأتون بثمن المخدرات؟ الأمر لا يقف عند الشباب الفقير، فالمعلومات تؤكد أن شباب الطبقة الراقية أيضاً إما غارقون فى شرب الخمور، أو يشمون ويتعاطون الكوكايين الذى ارتفعت أسعاره وأصبح موضة بدلاً من الهيروين الذى انتشر بعد انخفاض سعره! فلو استعدنا اعترافات الشاب المتهم بقتل هبة ونادين، التى قال فيها إنه بنصيحة من أصدقائه تناول كمية من الحبوب المخدرة اشتراها من صيدلية قبل إقدامه على تنفيذ جريمته، لرصدنا مصدراً آخر للمخدرات. لن أقف الآن أمام طرق دخول كل هذه الأنواع من المخدرات إلى مصر، على الرغم من كل الكميات التى تدخل بالفعل، فما يضبط لا يمثل أكثر من 10٪ مما يدخل. فمن هم هؤلاء التجار المحترفون، وكيف، ومن أى طريق يفلتون بمخدراتهم؟! ولكنى متوقف الآن أمام مستقبل شعب يدخل بإرادته فى غيبوبة تفصله عن واقعه.. غيبوبة فى وقت يحتاج الوطن فيه إلى حالة وعى كاملة وهو يواجه مستقبلاً مخيفاً.. من له مصلحة فى أن يعيش شبابنا فى غيبوبة، فلا يغضب كلما سمع عن قضية فساد، ولا يفقد صوابه وهو يسمع عن قوانين جباية تروج على أنها لحمايته، ثم يفاجأ بأن الهدف الوحيد منها هو جمع الأموال من جيوبه، أتحدث عن أموال رسوم المرور فى الطرق السريعة التى أصبحت قاتلة بفضل سوئها وإظلامها، أتحدث أيضاً عن قانون المرور وقانون الضرائب العقارية وغيرهما من قوانين لا نستفيد منها شيئاً.. الداخل فى جيوب المواطن قليل، والمطلوب أكثر بكثير!! غيبوبة قد تحميه من الجنون إذا تأمل ما ينفق على محو الأمية منذ عشرات السنين، ثم يكتشف أن الدولة العربية الوحيدة التى تنافسنا فى التخلف هى العراق.. وأننا ننفق المليارات على الدعوة إلى تحديد النسل، فى حين أن المستشفيات المؤهلة لاستقبال مدمنى المخدرات لا تستوعب 10٪ منهم فقط! ألا يستحق الشباب الغائب، المغيب، الذى دخل الغيبوبة، أن تتبنى الحكومة حملة قومية حقيقية ضد المخدرات ولعلاج المدمنين، وللكشف عن تجار المخدرات؟.. ألم يفزع هذه الحكومة معرفتها بأن المخدرات كانت تباع داخل مدرجات استاد الإسماعيلية يوم مباراة الأهلى الأخيرة، وهذا يفسر حالة العنف التى شاهدناها على الهواء مباشرة؟! ابحث عن المخدرات لتكتشف وتفهم سر العنف والقتل والفساد والتفكك الأسرى وكل شىء سيئ يحدث فى بلادنا!! [email protected]