انتهت الحرب على ما أعتقد أو أوشكت، فعلى الرغم من بدء المعارك البرية ودخول جيش العدوان الإسرائيلى غزة، فى تطوير جديد للهجوم الذى تشنه على القطاع عن بعد منذ 8 أيام، فإن هذا الاجتياح البرى قد يكون مؤشراً على قرب نهاية هذه الحرب ونهاية معاناة القطاع، وربما خروج حركة حماس الحاكمة هناك منتصرة «سياسياً»، رغم تكبدها وتسببها فى تكبيد القطاع خسائر كبيرة سواء فى الأرواح أو فى البنى التحتية. أنت تسألنى: كيف انتهت الحرب أو أوشكت؟ ويقينى أنه إذا صدقت البيانات الصادرة عن حماس، والتى تقول إنها قتلت فى الساعات الأولى للاجتياح تسعة جنود إسرائيليين وأسرت اثنين وجرحت العشرات.. وحتى إن لم تصدق تلك الرواية واكتفينا بالرواية الإسرائيلية، التى تؤكد حتى الآن مقتل واحد فقط وإصابة نحو ثلاثين جندياً، بينما تنفى رواية الأسر، فإن وقف إطلاق النار ربما يكون قريباً تحت ضغط الخسائر الإسرائيلية. لم يكن هناك خيار أمام إسرائيل سوى المضى قدماً نحو الاجتياح البرى، بعد أن استنفدت أهداف الغارات الجوية دون تحقيق نتيجة ملموسة توحى بإضعاف قدرة حماس على الصمود أو تزعزع سيطرتها على القطاع، وهى على الأرجح اضطرت للاجتياح تحت وطأة هذا الفشل، وكانت لا تريده أو تسعى لتأجيله إلى أبعد سقف زمنى ممكن. لا تخشى إسرائيل قطعاً هزيمة عسكرية متكاملة، لكن بطحة «حرب تموز» فى جنوب لبنان مازالت حاضرة فى الأذهان، ومخاوف تكرارها، ولو على مستوى أقل فداحة، تعنى اضطراراً فورياً لاتخاذ قرار «سياسى» بوقف العمليات أو الانسحاب والقبول بوقف إطلاق النار وفق تسوية ستتقدم لرعايتها الأممالمتحدة فى حينها. ولم يكن هناك أمل أمام حركة حماس سوى أن يبدأ جيش العدوان هجومه البرى، حتى تتمكن من أخذ فرصتها كحركة مقاومة فى دخول مواجهة حقيقية ومباشرة مع الجيش الإسرائيلى، وهى على يقين من قدرتها على تكبيد هذا الجيش المعتدى «خسائر ما»، هى تعلم أنها بمقاييس الحرب التقليدية ستكون خسائر طفيفة، إلا أن سيكولوجية المجتمع الإسرائيلى داخلياً ستجعل منها خسائر موجعة، ولن يستطيع قادة الحرب، الذين يخوضونها وأمام أعينهم كرسى رئاسة الحكومة ومقاعد الكنيست، التضحية بحلم السياسة من أجل انتصار عسكرى نهائى يقضى تماماً على حماس ويعيد تشكيل القطاع كما تريد إسرائيل، ولكن بثمن فادح من الضحايا العسكريين فى الجانب الإسرائيلى لن يتحمله المجتمع الإسرائيلى وناخبوه الذين سيشكلون خريطة القوى السياسية، وسيوزعون مقاعد الكنيست، ويختارون رئيس الحكومة. لن تركع حماس كما تتمنى إسرائيل إلا بخسائر فادحة.. لا ليفنى ولا باراك أو أولمرت مستعدون لدفع فاتورة هذه الخسائر من مستقبلهم السياسى، وهذا ما يجعلنى أرجح أن تكون الحرب على وشك النهاية. لك أن تتخيل وقع أنباء الخسائر على المجتمع الإسرائيلى حتى تدرك أن هذه الدولة لا تستطيع خوض حرب طويلة، ولا تقوى على الدخول فى صراع فيه قدر من تكافؤ الردع، ويمكن أن يوجعها بقدر ما يوجع خصمها. وهذه هى حالة الردع التى تنتظرها حماس لتأمن جانب إسرائيل إلى الأبد، وتحقق أهدافها السياسية وترفع الحصار عن غزة، وتخرج بانتصار سياسى مهيب يدفعها إلى السيطرة على المشهد الفلسطينى لسنوات أخرى لو أجريت انتخابات جديدة رئاسية أو برلمانية. أيام قليلة، ويهرع مجلس الأمن المتلكئ والمتواطئ حالياً، وستنفض كل القوى الدولية المتخاذلة والداعمة للعدوان كسلها ومماطلتها، لتطالب بوقف إطلاق النار، وتدعو الجيش الإسرائيلى للانسحاب، وتطالب بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل بدء عملية «الرصاص المسكوب». لن تتحرك القوى الدولية ولا مجلس الأمن، حتى لو شاهدوا ملايين الأطفال يموتون تحت القصف الإسرائيلى كل يوم، لكنهم سيتحركون فقط حين تبدأ الخسائر فى الجانب الإسرائيلى، وبضوء أخضر من الأخيرة سيؤمنون لها انسحاباً يبدو «استجابة للقرارات الدولية»! فى اللحظة التى بدأت فيها المعركة البرية.. انتهت الحرب كما قلت لك أو أوشكت. [email protected]