بقدر ما كان قرار بدء الحرب مصيريا، بقدر ما كان قرار إنهائها فى قطاع غزة مفصليا بالنسبة لإسرائيل، التى فضلت اتخاذه بشكل أحادي، يفوت الفرصة على حركة «حماس» لإعلان أى مكاسب سياسية، تتمثل فى شروطها برفع الحصار وفتح المعابر، أو عسكرية، تتحينها الحركة لتحقيق أى نقاط على الأرض من خلال إيقاع أى من الجنود الإسرائيليين المتوغلين برا فى الأسر، وهو ما يفسر عدم هرولتها لقبول مبادرات وقف إطلاق النار، رغم ما تتكبده من خسائر بشرية وعسكرية. لكن اللافت على الجانب الفلسطيني، هو مسارعة «حماس» أولاً إلى إعلان رفضها قرار إسرائيل الأحادي، قبل قليل من قبولها به، مما يعيد إلى الأذهان تسرعها بإعلان رفضها تجديد التهدئة، التى انتهت فى 15 ديسمبر الماضي، الأمر الذى ألب عليها المجتمع الدولي، ودفع به إلى المغالاة فى تحميلها – ظلما - مسؤولية التردى الحالي، رغم أن إسرائيل نفسها كانت ترفض تجديد التهدئة، ولو أن «حماس» كانت قد تريثت قليلا فى إعلان موقفها، ليبدو كرد فعل لا فعل، لما مكنت إسرائيل من تسجيل تلك النقطة لصالحها، متخذة إعلان الحركة ذريعة لشن عمليتها العسكرية فى القطاع. ولعل توقع إسرائيل لمثل هذا الرد ساعدها على اتخاذ قرارها الأخير «المستفز» بإبقاء القوات فى القطاع مع الاحتفاظ بحقها فى الرد وقتما تشاء، وهو ما يعكس حرصها الشديد على صورتها بعد الحرب، الذى لاشك وأنه شكل أحد أهم الهواجس التى سيطرت على قيادتيها السياسية والعسكرية وهم يتدارسون قرار وقف إطلاق النار، ويختلفون سرا وعلانية حول توقيته، دون أن يدور بذهن أحد منهم أن يكون وقفه امتثالا لقرار مجلس الأمن، بقدر ما يكون «أحاديا»، لتضييع فرصة أى طرف خارجى لبحث مطالب «حماس» وشروطها لوقف إطلاق الصواريخ، فضلا عن إضفاء رتوش تضع بها إسرائيل أحرف النهاية لحرب شعواء، تخرج منها بصورة «الضحية» المنتصرة، التى لم تخض تلك المعارك وترتكب من أجلها كل تلك المجازر، سوى من أجل حماية «أمن» مواطنيها. وكان اغتيال قيادات كبيرة داخل حركة «حماس» - مثل صيام وريان - إحدى أدوات صنع تلك الرتوش، منذ اضطرت إسرائيل إلى خفض سقف أهدافها «المعلنة» تدريجيا من «خلق واقع جديد فى غزة»، إلى القضاء «تماما» على مطلقى الصواريخ، إلى تدمير «جميع» أنفاق تهريب السلاح، بعدما كان يتكشف لها فى كل مرحلة تخوضها، سواء قبل أو بعد تدشين معركتها البرية، استحالة تحقيق تلك الأهداف عمليا على الأرض، وهى الأهداف التى تفاوتت حدودها بين من يمكن وصفهم بصقور وحمائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية. وبينما بدا الجنرال جابى أشكنازى منذ مرحلة التهديد بالحرب كأبرز صقور الجبهة العسكرية، مؤكدا استعداد الجيش وجهوزيته «بكل قوته لضرب البِنية التحتية للإرهاب، وخلق واقع أمنى جديد فى القطاع»، كان هوسه بإطالة أمد الحرب الموسعة وجعلها «حربا مفتوحة» يعكس حالة الغضب التى تلف عددا كبيرا من الجنرالات الإسرائيليين التواقين للثأر لكرامة جيشهم منذ الهزيمة القاسية التى تكبدوها فى لبنان 2006. وفى بادئ الأمر بدا رئيس الوزراء إيهود أولمرت على رأس المعارضين فى المؤسسة السياسية لمنهج أشكنازى وتكتيكه الرامى للاستخدام المفرط للقوة ضد مسلحى غزة، وهو ما أرجأ الحرب لأكثر من 10 أيام بعد إعلان انتهاء التهدئة فى 15 ديسمبر، مثيرا العديد من التكهنات حول ما إذا كانت إسرائيل ستعمد بالفعل إلى تنفيذ اجتياح برى واسع أم ستكتفى بضربات متقطعة وخاطفة، على طريقة «الكر والفر». لكن ولأن الصراع الداخلى فى إسرائيل بشأن الحرب لا يقتصر على كونه انقساما تقليديا بين المؤسستين العسكرية والسياسية، ولأنه يتوغل بين أفراد «الطاقم الثلاثى المصغر» نفسه – المكون من أولمرت وليفنى وباراك - لا أعضاء الحكومة الأمنية المصغرة فحسب، فقد تفاوت تقييم قرار وقف الحرب أيضا بين الوزيرين شاؤول موفاز وحاييم رامون، بل إن باراك، رغم تهديداته العنيفة بسحق «حماس»، والتى لم تأت بدورها إلا فى سياق تحقيق مكاسب انتخابية، لمنافسة خصمه الليكودى بنيامين نتنياهو، كان على رأس المطالبين بهدنة تطول على الأقل لمدة أسبوع، دون انسحاب القوات البرية من القطاع، وهو ما تم التصويت عليه بالنهاية.