تمخض القطار فولد فأراً، وحتى عربات الدرجة الأولى امتلأت بالفئران.. كنت عائداً من القاهرة فى القطار رقم (931)، الذى يقوم عادة فى السادسة مساء، ثم يقعد براحته عندما اكتشفت أن رقم القطار يدل على عدد الفئران الموجودة فيه.. فى البداية كنت أظن أنها إشاعة يرددها الركاب حتى ظهر أمامى فأر حائر، اعتقدت أنه يبحث عن رقم مقعد أو عن صديق، وهدانى تفكيرى إلى أنه ربما كان مسؤول العلاقات العامة فى القطار والمنسق بين الركاب وباقى الفئران، وأنه هرب من الدرجة الثانية لسوء الخدمة فيها وجاء يحتمى فى الدرجة الأولى.. انزعج الركاب، وصرخت النساء، وقالت إحداهن إن الفأر مكروه حتى من أهله، فصححت لها العبارة بأن الفقر وليس الفأر هو المكروه. وقال رجل إن ظهور الفأر دليل على وجود خيانة فى القطار، فراح الركاب يتفحصون وجوه بعضهم بعضاً بحثاً عن الخائن.. وبين طنطا وكفر الزيات أعلن الركاب الجهاد ضد الفئران، على أساس أنه أنسب موقع يحاصرون الفئران فيه، حيث الترعة من أمامهم والطريق السريع من خلفهم، وأغلقوا الأبواب ورفعوا الكراسى، وخلع أحدهم حذاءه فظننت أن مؤتمراً صحفياً سوف يبدأ. وقال رجل يرتدى نظارة الموظفين: لا تقتلوا الفئران فربما كانت عهدة. وقال آخر إنها تأتى للاستمتاع بالتكييف، وطلب إغلاق التكييف، فرد عليه عجوز: فى هذه الحالة سنموت نحن وتعيش الفئران حرة مستقلة، واقترحت سيدة فتح الموبايلات على دعاء دينى، وقال زوجها إن الفئران تتجه من القاهرة إلى الإسكندرية لمساعدة المحافظة فى حفر الشوارع.. عند «أبو حمص» عمل القطار وقفة استراتيجية لمدة ساعة، لوجود إصلاح وتغيير وتعديل فى السكة، حيث تنزع الهيئة الفلنكات وتعيد تركيبها لتضيّع الوقت وتحتفظ بالنتيجة، وبكى طفل وقالت له أمه لتخيفه: (أجيب لك أبوزبعبع)، فرفض الطفل وطلب «شيبسى» وقال له أبوه: (مش عمك لما جه من السفر جاب لك طاقية.. إيه لازمة الشيبسى بقى؟!)، وراح العجوز يداعب الطفل ويقول له: (إنت أسنانك أكلها الفار) فرد والده: (ده مركّب فى أسنانه كوبرى افتتحه أحد المسؤولين)، فواصل الطفل البكاء، واصل القطار التحرك وظهرت الفئران منكمشة وكأنها تطلب التفاوض، ثم اختفت تماماً عند ظهور مفتش القطار وكأنها تعرفه، أو احتراماً له، وعندما اطمأنت راحت الفئران تتحلق حوله وهو يبتسم لها، واقترح البعض وضع قطعة جبنة مسمومة على المفتش أو وضع تذكرة داخل مصيدة فى كل عربة، وطلب أحدهم أن ترصد الهيئة مكافأة لمن يرشد عن فأر، وأخيراً وصلنا إلى محطة الإسكندرية وبدأنا فى التدافع نحو الباب إلا أن بعض الركاب رفضوا النزول وأصروا على البقاء فى القطار لمواصلة الكفاح ضد الفئران.. السيد وزير المواصلات الذى يسمح بركوب الفئران مجاناً يرفع التخفيض عن المحاربين القدماء. [email protected]