فى موقف لافت للنظر، وصفه الكثير من الخبراء السياسيين والإعلاميين ب«الموجه» توحد عدد كبير من المتظاهرين ضد المجزرة الإسرائيلية على غزة، فى نحو 4 دول عربية، فى شن هجوم حاد على مصر وقيادتها السياسية، متهمين إياها ب«العمالة والتآمر على الفلسطينيين»، بل ووصل الأمر إلى حد محاولات التعدى على السفارات المصرية فى بعض هذه الدول. ففى دمشق، نالت الحكومة المصرية نصيبها من غضب الجماهير ونواب برلمانيين، معتبرينها «متواطئة» فى العدوان الإسرائيلى على فلسطين. وفى بيروت، تظاهر عدد كبير من اللبنانيين أمام مقر السفارة المصرية، متهمين مصر ب«العمالة». ولم يقل الوضع فى الأردن عما جرى فى سوريا ولبنان، حيث اعتصم نحو 700 نقابى وحزبى ونواب فى البرلمان أمام السفارة المصرية بعمان، مطالبين مصر بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، وطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة (دون أدنى إشارة إلى موقفهم من وجود سفير إسرائيلى مماثل لدى عمان)، وهو الحال نفسه الذى شهدته السفارة المصرية فى العاصمة السودانية الخرطوم. وحول هذا الهجوم الذى بدا مدعوماً من جانب قوى سياسية وإعلامية معلومة لدى غالبية الدوائر والأوساط السياسية، قال السفير عبدالرؤوف الريدى، رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية «من المحزن جداً أن نرى هجوماً مثل هذا من بعض الجهات العربية على دولة بحجم ومكانة مصر، التى ضحت كثيراً من أجل القضية الفلسطينية، لدرجة أنه لا يوجد بيت مصرى إلا وفيه شهيد على الأقل، استشهد دفاعاً عن فلسطين». وأضاف الريدى: «هذا الهجوم تم توجيهه من قبل قوى قريبة من المحور السورى الإيرانى، ومنها حزب الله وقناة الجزيرة التى لها أجندة سياسية تنفذها لصالح أنظمة معينة»، مؤكداً أن هذه القوى «استغلت حالة الغضب الجماهيرى، ووجهته ضد مصر بدعوى أنها المسؤولة عما يجرى فى غزة». وشدد الريدى على أن القيادة السياسية المصرية «لن تنساق» وراء مثل هذه المظاهرات، لأنها تعمل ب«إخلاص» لخدمة القضية الفلسطينية، ولا تلتفت لمحاولات «الوقيعة» التى أصبحت تتعرض لها كثيراً - حسب قوله. ووصف ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، الحملة الإعلامية الموجهة ضد مصر ب«المخططة والمدبرة»، موضحاً أنها تعتمد خطاباً «غوغائياً» قائما على فكرة «تشويه الحقائق والتضليل والحذف الانتقائى». وقال عبدالعزيز: بعض وسائل الإعلام العربية ومنها قناة الجزيرة استخدمت تكنيكات صرف الجمهور واللعب بعواطفه، فنجحت فى إنتاج حملة شعبية ضد مصر فى الشوارع العربية، هذه التكتيكات اعتمدت على فكرة إلفاق الصور المحزنة لشهداء وجرحى المجازر الإسرائيلية فى غزة بالسلوك السياسى المصرى تجاه الملف الفلسطينى، وذلك لإظهار الموقف المصرى فى محل ضعف وعمالة، بهدف خدمة مصالح سياسية لجهات أخرى منها قطر. وأضاف: «إن قطر تقوم بدور تخريبى فى المنطقة، وتستخدم قناة الجزيرة كأداة لتحقيق ما تسعى إليه، خاصة أن «الجزيرة» أداة سياسية نصفها الأول بيد السلطة التى تريد ممارسة ضغوط سياسية على دول إقليمية، لتحقيق مصالح خاصة، بينما النصف الآخر «مخطوف» بمعنى أنها فقدت السيطرة عليه لصالح قوى إسلامية رجعية». وحول إمكانية الرد على هذا الهجوم الإعلامى الشرس، قال عبدالعزيز: لست من الناصحين بالرد على مثل هذه الحملات، لكن فى الوقت ذاته علينا الخروج من مرحلة الاكتفاء بالذات، والتى يعيشها الإعلام المصرى، وذلك من خلال تطوير وسائلنا الإعلامية، والخروج بوسيلة ذات طابع إخبارى تستطيع مخاطبة الجمهور العربى بمصداقية، دون أى أهداف دعائية، لافتاً إلى أن غياب مثل هذه الوسيلة عن مصر جعلها تدفع الثمن حالياً.