■ هل كان الهجوم الإسرائيلى متوقعا؟.. نعم كان متوقعا، ولكنه جاء مبكرا.. وفى الفترة الانتقالية بين الإدارتين الأمريكيتين.. وهى الفترة التى تتدافع فيها أطراف عدة، لتوفير كل ما يمكن أن يعين فى تبلور سياسات الإدارة الجديدة عمليا.. مثلما حدث مثلا عندما نشر تقرير «الإبحار فى مياه مضطربة»، الذى قدم للرئيس بوش عندما تولى الحكم لأول مرة، وقد تم الأخذ بالكثير مما جاء فيه، وقد أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة. أما عن الهجوم الحالى فقد كانت هناك مؤشرات عدة على حدوثه بغض النظر عن التوقيت . ■ فالمعنىّ بالشأن الأمريكى يعرف أن هناك العديد من الأمور المهمة التى لابد من متابعتها أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية، تمثل مؤشرات جدية من شأنها أن تعكس التوجهات العامة لأصحاب المصالح والكتل الأمريكية، التى سوف تحكم مسارات الإدارة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصراع العربى - الإسرائيلى. من هذه الأمور: أولا، التقليد المتعارف عليه الذى يلزم المرشحين بالحديث أمام اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة والمعروفة باسم «أيباك». وثانيا، الكتابات التى تعكس اهتمامات أصحاب المصالح، وثالثا، مجموع البحوث والأوراق التى يتم ضخها من قبل مراكز الأبحاث والتى تقدم رؤاها وتصوراتها المستقبلية حول القضايا المختلفة للرئيس الجديد، والتى عادة تزداد بكثرة فى الفترة التى بين الانتخابات (4 نوفمبر)، وتسلم الرئيس الجديد مهام الرئاسة فى 20 يناير، وهو التقليد الذى تم الخروج عليه قليلا هذه المرة، حيث وجدنا عددا غير قليل من المراكز البحثية يقدم نصائحه مبكرا هذه المرة قبل الانتخابات بشهرين، ربما نتيجة لتوقع فوز أوباما، بالإضافة إلى ارتفاع نغمة الحسم والتلويح بالقوة. فى هذا السياق، نستعيد كلمة أوباما أمام «ايباك» (يونيو2008)، حيث قال فيها نصاً: «إن الرابط بين إسرائيل والولاياتالمتحدة له جذور ليس فى مصلحتنا الوطنية المشتركة فقط، وإنما فى القيم والقصص المشتركة لشعبينا.. أنا فخور بأن أكون طرفاً فى إجماع قوى بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى، يقف إلى جانب إسرائيل فى وجه كل التهديدات، لأن دعم إسرائيل فى هذا البلد يذهب أبعد من الحزب.. ذلك فى مواجهة حماس وحزب الله.. الذين يهددون إسرائيل يهددوننا.. سوف أحمل إلى البيت الأبيض التزاما لا يتزعزع بأمن إسرائيل بضمان التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل، حرصا على أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أى تهديد من غزة إلى إيران (وسوف أطبق مذكرة تفاهم يتم بموجبها 30 مليار دولار من المساعدات إلى إسرائيل فى العقد المقبل)». ■ فى الوقت نفسه، وعلى الإيقاع نفسه، كانت الكتابات التى تعبر عن عديد من أصحاب المصالح، تصب فى اتجاه استخدام القوة وضرورة حسم الصراع العربى الإسرائيلى بشكل أو بآخر حتى كتابات من ينتمون إلى التيار المحافظ فقد تجاوزوا عن فوز مرشح ديمقراطى مقابل أن تستمر الإدارة الجديدة فى حسم ما لم يُحسم فى إدارتى بوش، وتأكد هذا الأمر مع التشدد الذى أبداه أوباما فى كثير من القضايا والملفات قبل فوزه بقليل، ثم من خلال تشكيلة إدارته. ■ يضاف إلى ما سبق أن حصيلة قراءة كثير من التقارير المقدمة للإدارة الجديدة، خاصة حول الشرق الأوسط منها: ■ التقرير الصادر عن معهد واشنطن المعنون «من رئيس إلى رئيس: سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى لحظة تحول». ■ التقرير الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية بالتعاون مع مركز «سابان» لسياسة الشرق الأوسط لBrookings Institution والمعنون «استعادة التوازن: استراتيجية شرق أوسطية للرئيس المقبل»، النغمة البارزة فى هذه الكتابات هى ضرورة الحسم بالدبلوماسية أو بالقوة إذا لزم الأمر، ونقتطف من ورقة لمارتن أنديك وريتشارد هاس قولهما: Preventive military action, by either U.S. or Israel. صفوة القول، إن ما يحدث ليس مفاجئا وإنما جاء مبكرا.. ومواجهته تتطلب الوحدة بين الجميع بغير استبعاد أو إقصاء.. إنها لحظة للتجمع وليس للفرقة وعدم الوقوع فى فخ «تديين الصراع»، حيث إنه أكثر تركيبا من ذلك فى ظل لحظة تحول نوعى كونى، ربما تتبدل فيها بعض المواقف لبعض الأطراف، ومن ثَمّ لن يبقى لنا إلا وحدتنا الوطنية والدينية والمذهبية.