(1) كان السؤال الدائر على مدى الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ أن انطلقت شرارة الحرب على غزة: أين الإدارة الأمريكيةالجديدة، لماذا آثر أوباما الصمت، وما السبب فى أنه اتخذ قراراً بعدم الإدلاء بأى تعليق حول ما يحدث فى المنطقة؟ قبل الإجابة عن ذلك لابد من أن نرصد - وقت كتابة المقال السبت - أنه قبل ثلاثة أيام من تسلم أوباما مهام الرئاسة الأمريكية (20 يناير)، وقعت إسرائيل مع أمريكا اتفاقاً أمنياً مهماً. وفى نفس اليوم نفسه أعلن باراك وقف الحرب على غزة من طرف واحد، وتمتع إسرائيل بمظلة سياسية رسمية دولية تبرر لها ما تفعل، فى ظل انقسام عربى حاد. فى هذا السياق يبدو أن الكل يمهد الوضع للإدارة الجديدة، على طريقة سباقات التتابع، كى تبدأ تنفيذ توجهاتها فيما يتعلق بالمنطقة، التى أتصورها سوف تتخذ مساراً أكثر حسماً فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. فهذه الإدارة لن تترك الأمور معلقة كما فعلت إدارة بوش على مدى دورتين، فكل الأطروحات التى قدمتها العقول الاستراتيجية الأمريكية خلال الأشهر الماضية تعكس أهمية حسم إشكاليات الشرق الأوسط بشكل عام، وحسم قضية الصراع العربى الفلسطينى بشكل خاص، وهو ما حاولنا توضيحه فى مقالنا قبل ثلاثة أسابيع (هل جاءت الحرب مبكراً؟). المأزق الذى نحن بصدده والذى وضعت فيه المنطقة، يقول إن الحلول التى سوف يتم طرحها ستنطلق من الأمر الواقع الذى فرضته الحرب على غزة، أى ما أسفرت عنه الحرب من نتائج فى صفوف الجانبين، ومن حضور لأطراف غير عربية بات لها تأثير على المصالح العربية ونظامها الإقليمى.. وهنا مكمن الخطورة.. لماذا؟ (2) بداية، لقد أدت حرب يوليو 2006 إلى حضور إيران كطرف فاعل فى اللعبة، وفى الوقت نفسه وهنا المفارقة تم تحييد حزب الله من خلال القرارات الدولية التى بات ملتزما بها. ومن جهة أخرى أصبحت تركيا نتيجة الحرب على غزة حاضرة بقوة فى اللعبة الإقليمية.. وهكذا تحلل النظام الإقليمى العربى لصالح النظام الشرق أوسطى وفى القلب منه إسرائيل ولا بأس من انضمام تركيا وإيران كدول لها أدوار فى النظام الإقليمى الجديد وفق مصالح استراتيجية أكبر. (وقد أشرنا أكثر من مرة على مدى سنوات إلى أن هذا التصور كتب فى التقرير الذى قدم إلى بوش فى مستهل ولايته الأولى، من خلال التقرير المعنون «الإبحار فى مياه مضطربة «2000». يضاف إلى ما سبق أن التصور العام للمنطقة يقوم على عدة عناصر من أهمها ما يلى: ■ أن إسرائيل هى الدولة القوية الوحيدة التى تتمتع باقتصاد حداثى يمكِّنه من المنافسة عالميا.. وأنها تمتلك قدرة نووية فاعلة قادرة على الردع. ■ وأنه لن يفضل من الوحدة العربية سوى الشعار. ■ تزايد التوتر المذهبى بين السنة والشيعة فى المنطقة. ■ تقليل الاعتماد على نفط المنطقة بشتى الوسائل مما يعنى تقليل الأهمية الاستراتيجية للمنطقة. ■ تأسيس كيان إقليمى للدول المجاورة للعراق فى طبعته الأمريكية (ليس عربيا خالصا حيث يضم تركيا وربما إيران). فى ضوء ما سبق ما الذى يمكن أن تعتمده الإدارة الجديدة للمنطقة؟ (3) يبدو لى أن أقصى ما يمكن أن يقدم لحل المشكلة الفلسطينية فى ظل موازين القوة الحالية، هو العودة إلى ما كانت قد طرحته الإدارة الأمريكية مع اقتراب نهاية فترة كلينتون الثانية (سبتمبر 2000) باعتباره أقصى ما يمكن تقديمه للفلسطينيين.. بيد أن السؤال الذى يفرض نفسه هو: أى «فلسطينيين»؟.. والسؤال الأهم: هل يمكن أن تعود المنطقة إلى توازن القوى الذى كان سائدا قبل الحرب على غزة؟.. أليس الاجتياح الإسرائيلى وقرار وقف النار أحادى الجانب، وعدم الالتفات للقرارات الدولية واعتبارها غير ملزمة، كلها إشارات إلى أن المعادلة قد اختلفت.. ألا يدفعنا هذا إلى ضرورة التماسك لمواجهة ما سوف يفرض علينا؟.. لقد كانت الغارة على غزة من قبل بن جوريون فى فبراير 1955 فرصة لإعادة النظر فى رؤانا الاستراتيجية آنذاك.. وأتصور أن اجتياح غزة 2009 يفرض علينا أن نعيد النظر فى كثير من الأمور.