قرأت فى جريدة »المصرى اليوم« بتاريخ 19/12/2008 ما يفيد بأنه حول قانون الصحة النفسية الجديد، طالب النائب طلعت الديب بنقل مستشفيات الصحة النفسية الموجودة داخل المدن إلى المناطق الصحراوية، وإنشاء مركز عام للصحة النفسية، يضم كل هذه المستشفيات، وإن صح الكلام فقد وجب على الجمعية المصرية للطب النفسى، المسؤولة عن حقوق المريض النفسى، والطبيب النفسى، أن تشرح وتفسر هذا الاقتراح. لقد سبق أن تقدم وزير الصحة السابق، الصديق الفاضل المرحوم أ.دعلى عبدالفتاح منذ سنوات عدة، باقتراح لنقل مستشفى العباسية إلى مدينة بدر، وقد تطوعت فى هذا الأمر بشرح الموقف فى كل الصحف، وجلس كل الأطباء النفسيين مع السيد الوزير، الذى تفهم الموقف وألغى الفكرة، ولا أعرف الإصرار من بعض المسؤولين على إثارة هذا الموضوع، حيث إن أرض العباسية تساوى المليارات، وإنه ممكن التضحية بهؤلاء المرضى لصالح المستثمرين، سواء من الخليج أو من مصر. هذا الصرح الطبى قد تم بناؤه منذ أكثر من مائة عام، لعلاج الأمراض العقلية والنفسية، لقد قدم هذا الصرح الكبير خدمات جليلة لمئات الآلاف من المرضى وذويهم، علاجا وتأهيلا وإيواء لمرضى فقراء كانوا سيموتون فى الشوارع، لولا هذا الصرح العملاق، وقد قام هذا المستشفى العريق بتدريب الآلاف من الأطباء النفسيين والممرضات الذين انتشروا فى البلاد العربية والأجنبية لعلاج المرضى، وينقلون خبراتهم الثمينة إلى هذه البلاد، ومازال يقوم بهذا الدور. إن قانون الصحة النفسية الجديد له غرض واضح هو حماية حقوق المريض النفسى، وإزالة الوصمة من المرض النفسى، لذا فإن نقل المستشفيات إلى الأماكن الصحراوية هو تمييز ضد المريض النفسى، وتعزيز الوصمة ضده، واعتباره مريضا معاقا، وليس مريضا بمرض طبى مثل مريض الكلى أو القلب أو الصدر، فلا يعقل أن تنقل مستشفيات القلب والصدر إلى الصحراء، فالمريض النفسى لا يعانى مرضا يستدعى وجوده خارج نطاق المدن. كان الغرض فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين من وجود المستشفيات خارج نطاق المدن، هو عزلهم وإيجاد مكان للإيواء، حيث لا يوجد علاج لهؤلاء المرضى، واعتبر وجودهم فى وسط المدينة خطرا على المجتمع، فكانت هذه المستشفيات ليست لعلاج المرضى، بل لحماية المجتمع منهم،ونفيهم بعيدا عن المجتمع، والآن أصبح العلاج متوفرا وأصبح الشفاء والعودة للمجتمع خلال أسابيع واردا فى كل العالم. بل إن قانون الصحة النفسية الجديد ينص على أن المريض يجب إعادته مع العلاج الصحيح لعمله وأسرته فى خلال أسابيع. ومن ثم يكون هذا الاقتراح ضد فلسفة مشروع قانون الصحة النفسية الجديد. وإذا نظرنا إلى كل مستشفيات الطب النفسى فى العالم نجدها وسط المدن، فيوجد فى باريس مستشفى »سانت آن« فى وسط البلد، ويوجد مستشفى »بل إير« فى وسط جنيف، بل تمكنت فى عام 2004 من أن أجعل إحدى فيلات المستشفى النفسى فى جنيف مقرا رئيسيا للجمعية العالمية للطب النفسى، ووقّعت العقد لمدة عشرين سنة مجانا، إن مستشفيات الأمراض النفسية فى البلاد العربية فى وسط البلد، بل كل المستشفيات العامة الآن توجد بها وحدة علاج للأمراض النفسية مع أمراض القلب والصدر والأطفال والجراحة. وأعتبر أن هذا الاقتراح أو أى تفكير فى نقل مستشفى الطب النفسى بالعباسية جريمة فى حق المريض النفسى، وتخلف حضارى، وعودة لعصر إيواء المرضى النفسيين وعزلهم عن المجتمع، وكذلك ضد ميثاق الأممالمتحدة 1992 لحقوق المريض النفسى، التى وافقت عليه مصر، ونكوص عن الموقف الإنسانى للمريض النفسى الذى له الحق كأى مريض آخر خاصة بعد العلاجات الأخيرة الناجحة. إن حرمان المريض النفسى من مستشفاه لإعطاء المستثمرين فرصة لبناء أكوام من الأسمنت، تزيد الازدحام، عمل غير مسؤول وغير قومى وغير حضارى، ويؤسفنى أنه يوجد تعاطف من بعض المسؤولين فى الحزب والصحة مع هذا الاتجاه، ومن ثم لا مانع من بيع أرض الأهرامات، وتأجير أبوالهول، وإزالة القوات المسلحة من وسط المدن، وخصخصة المستشفيات والجامعات.. لأن الأرض أهم من العلم والعلاج والرحمة الإنسانية. تهيب الجمعية المصرية للطب النفسى بكل المسؤولين أن يتحرروا من التفكير فى الاستيلاء على أرض مستشفى العباسية فى القاهرة، أو المعمورة فى الإسكندرية، أو الخانكة، لما يعكسه ذلك من سلوك غير حضارى، وتخلف ثقافى، وستحاول الجمعية المصرية للطب النفسى مع جميع الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية ف مصر، وفى البلاد العربية، وعلى مستوى العالم، ومنظمة الأممالمتحدة، والجمعيات الأهلية فى مصر والخارج، مقاومة أى محاولة لهدر حقوق المريض النفسى. الكاتب: رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى