ما مهمة أى بعثة دبلوماسية مصرية فى أى بلد أجنبى؟ هل مهمة السفير أن يرتدى حلة أنيقة ويكون خبيرا فى الماس والسجاد ويركب سيارة مرفوعاً عليها علم مصر ويحضر حفلات الاستقبال فقط؟ ما واجبات البعثات الدبلوماسية المصرية تجاه المصريين المغتربين؟ كم تتكلف تلك البعثات وما العائد منها؟ هذه التساؤلات تفرض نفسها بقوة كلما حدثت أزمة للمصريين فى الخارج، وآخرها كانت الأزمة السياسية فى تايلاند التى أدت لإغلاق المطار تماما وتأخير كل رحلات الطيران به، ومن بين الذين علقوا لأيام فى تايلاند مصريون ومواطنو دول عربية أخرى.. ومع تصاعد الأزمة سعت السفارات العربية الأخرى لتخليص رعاياها من هذه المشكلة، فالسعودية مثلا أرسلت طائرة للمطار الحربى فى بانكوك وأعادت رعاياها.. ولكن المصريين كان عليهم أن يتصرفوا بمفردهم بعيدا عن السفارة حسب التصريحات الرسمية والواقع.. وبالمصادفة كنت ضيفا خلال الأزمة على برنامج «صباح دريم» الذى تقدمه الإعلامية المتألقة دينا عبدالرحمن، ويرأس تحريره الكاتب الصحفى محمد البرغوثى، وأجرى البرنامج اتصالا هاتفيا مع رجل أعمال مصرى اسمه عزت عبدربه، وقال إنه حينما لجأ للسفارة المرفوع عليها علم مصر، أشار عليه القنصل المصرى بأن يحرر محضرا لشركة مصر للطيران لأن هذه المشكلة تخصهم ولا دخل للسفارة بها، لأن مهمة السفارة تحرير عقود الزواج والطلاق وتكفين الموتى من المصريين فى تايلاند وإرسالهم لذويهم فى مصر!! والمفارقة أن الرجل حرر محضرا بالفعل لشركة مصر للطيران، وذهب به لتوثيقه فى السفارة المصرية فطلبوا منه 100 دولار رسوم توثيق!! وعلى قدر ما كان الكلام صادما، كانت الصدمة الأعنف فى اتصال مع السفير أحمد رزق، مساعد وزير الخارجية لشؤون المصريين فى الخارج، حيث طالب المصريين فى تايلاند بالسفر بطريقتهم الخاصة من بانكوك إلى كوالالمبور بماليزيا، وركوب طائرة مصر للطيران من هناك، وهو نص بيان الخارجية المنشور بالصحف فى نفس اليوم، ومن كلامه تبين عدم وجود حصر بعدد المصريين العالقين فى تايلاند على وجه الدقة بالخارجية، وانفعل السفير مؤكدا أن النظرة لدور السفارة يجب أن تختلف، فليس من المفروض أن تتحرك السفارة لحل مشكلة فردية، وليس من مهام السفارة أن تدبر للمصريين العالقين هناك أتوبيساً ينقلهم إلى ماليزيا، أو تدفع تذكرة لمن يريد أن يسافر إلى كوالالمبور. والحقيقة أننى لم أكن أريد الكتابة عن مسؤوليات الخارجية المصرية تجاه المصريين فى الخارج حرصا على سمعة مؤسسة عريقة كان لها دور بارز حتى وقت قريب.. إلا أن تصريحات السفير رزق كانت مستفزة بما يكفى لعدم الاعتبار لأى حسابات.. وكنت دائما أقارن بين بعض سفراء مصر فى الخارج والسفراء الأجانب بالقاهرة من حيث نمط التعامل والاهتمام بمواطنى كل بلد.. وغالبا كانت المقارنة تأتى فى غير صالح دبلوماسيينا إلا فى حالات استثنائية يحضرنى منها مثلا وليس حصرا السفير محمد العرابى، الذى كان سفيرا لمصر فى ألمانيا. حتى شهور قليلة مضت وكذلك السفير فهمى فايد، سفير مصر بالإمارات سابقا، وبولندا حاليا، وعدد من الدبلوماسيين الشباب الواعدين.. وخلال الفترة الماضية وقع العديد من الأحداث التى تفرض علينا أن نطرح التساؤلات السابقة.. والبعثات الدبلوماسية الأجنبية فى القاهرة تضع خدمة رعايا بلادها فى المرتبة الأولى.. فالسفير برند إربل، سفير ألمانيابالقاهرة، مثلا قطع إجازته ليتابع أزمة 4 سياح ألمان مخطوفين خلال رحلة سفارى جنوب مصر، ولو كان يضع فى اعتباره نظرية السفير رزق، لحسب الحادث فرديا وأكمل إجازته.. والسفارة الألمانية تحركت منذ سنوات لإنقاذ سائحة ألمانية واحدة تعرضت لحادث غطس بالغردقة، وقامت بتدبير طائرة إسعاف لنقلها إلى برلين خلال 5 ساعات فقط.. والسفارة الهولندية أقامت الدنيا ولم تقعدها منذ سنوات أيضا حينما اصطحب زوج مصرى أولاده من أم هولندية للقاهرة بعد أن انفصل عنها، ولم تهدأ إلا بإعادة الأطفال لأمهم فى هولندا. السلوك الذى تتبعه السفارات الأجنبية فى مصر لا يفرق بين مواطن وآخر، كما لا يفرق بين حادث يتعرض له مواطن واحد ومجموعة من المواطنين.. فالجميع أصحاب حق ويستحقون المساعدة سواء طلبوها أو لم يطلبوها.. والحقيقة أن النظرة المطلوب تغييرها فعلا هى نظرة البعثات الدبلوماسية للمصريين فى الخارج، وليس نظرة المصريين لسفاراتهم.. فمن حق المصريين أن يجدوا الرعاية الكاملة من سفرائنا وبعثاتنا الدبلوماسية أو يمكن إلغاء هذه البعثات وتوفير النفقات فى بلد يعانى من أزمات اقتصادية لا تنتهى.. مادام عدد المصريين فى تايلاند قليلاً، كما يقول مساعد وزير الخارجية، فلماذا لا يكتفى بسفارة مصر فى ماليزيا لتسيير أمور المصريين القلائل الذين يترددون على تايلاند؟ والحقيقة أن رواتب هذه البعثات الدبلوماسية من حصيلة الضرائب الباهظة التى يدفعها المصريون.. والطبيعى أن ترتد فى صورة خدمة فعلية للمواطن المصرى الذى يتعرض لمشكلة فى بلد أجنبى، ولا يمكن أن يقتصر دور الخارجية المصرية على إصدار بيانات رد فعل لكل أزمة، أو مطالبات للمصريين فى الخارج بتسجيل أنفسهم فى السفارات المصرية بينما المصريون لا يشعرون بأن ذلك سيرتد إليهم عند الحاجة فى صورة خدمة حقيقية.. ومن حقنا أن نسأل كم تتكلف البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج؟ وما العائد منها؟ وهل الفائدة التى تتحقق منها تتناسب مع الإنفاق عليها؟ والأهم من ذلك ماذا تعنى كلمة سفارة؟ وهل يتفق أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية، مع التعريف الذى أطلقه مساعده لها؟ [email protected]