لم يكن يدور فى خلد بدر الدين سالم رضوان، 65 عامًا، أن ذهابه إلى مكتب التأمينات والمعاشات بالمطبعة، فى أول أيام صرف «معاش الأجر المتغير» سيجعله الضحية الأولى فى قائمة الموتى بسبب الزحام على معاش الأثر الرجعى. فما حدث له أثناء وقوفه فى طابور طويل من المواطنين - أصحاب المعاشات - الذين تجمعوا فى صباح أمس الأول «الأربعاء» بداية من شارع عبدالغنى عبدالله بمنطقة المطبعة بفيصل، مرورًا بزقاق طويل يصل طوله إلى 15 مترًا، وحتى نهايته، حيث توجد بوابة العمارة المؤدية إلى مكتب صرف المعاشات، الذى يخدم سكان منطقة بولاق الدكرور والأماكن التابعة لها بالدور الثالث. طول الانتظار وكثرة عدد الواقفين فى الطابور جعلهم يتدافعون من أجل الوصول إلى «البوابة» لتبدأ رحلة جديدة مع الموظفين بدايتها من مكاتب الدور الأرضى وحتى آخر مكتب للصرف بالدور الثالث - على حد قول أصحاب المعاشات - التدافع الذى أدى إلى تكدس الجميع أمام باب العمارة، الذى فتحت إحدى «ضلفاته» الحديدية جعلهم يدوسون بدر الدين سالم تحت أقدامهم ويتدافعون عليه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. كان أصحاب المعاشات بدأوا يبحثون عن وسيلة لإنقاذ الرجل، وحاولوا نقله من تحت أقدام الواقفين فى الطابور إلى الشارع الرئيسى، إلا أن طبيبًا صيدليًا بالشارع قام بالكشف عليه وأكد لهم موته. انطلقت صرخات من النساء اللاتى شاهدن الموقف من بدايته، وتعالت أصوات الرجال منتقدة وزير المالية وسياساته فيما يخص أصحاب المعاشات، وانتظر الجميع أن تأتى عربة إسعاف تنقله إلى المستشفى إلى أن يتسلمه أحد من أهله، وبعد حوالى نصف ساعة من الواقعة جاءت عربة شرطة من قسم العمرانية إلى مكان الحادث وأحاطت الجثة بحواجز خشبية استعانت بها من الأهالى المجاورين للمنطقة. قال شهود عيان إن سيارة الإسعاف لم تصل إلا بعد 3 ساعات من الانتظار، ظلت الجثة خلالها مغطاة بورق «جرائد» ووصلت بعد قيام رجال شرطة قسم العمرانية بنقله عبر عربة «نصف نقل» كانت تقف فى الشارع وحملوه فيها لعدة دقائق إلى أن جاءت عربة الإسعاف ونقلته إلى مستشفى الهرم الذى يقع على بعد 10 دقائق من مكان الحادث. وظلت نظارة الرجل وشاله الأسود شاهدين على الواقعة، فالجميع يشير إليهما ويتحدث. تقول منى زكريا، شاهد عيان وأحد أصحاب المعاشات : «منذ الصباح الباكر والشارع بأكمله مزدحم بالمواطنين كبار السن، وفوجئنا بالرجل يقع من طوله بعدما وصلنا إلى باب العمارة وتدافع المواطنون عليه حتى شعروا به مرميًا على الأرض لا يتنفس فقاموا بنقله. وبدأ المواطنون فى تخفيف الزحام حتى يسهلوا نقله إلى الشارع الرئيسى وبعدها قالوا إنه مات. أما حمدى أحمد، أحد شهود الواقعة وصاحب معاش، فيقول: «المكان ضيق جدًا ومفيش حد بينظم الموضوع وكفاية إننا انتظرنا عربة إسعاف تنقذه ومحدش سأل فينا لمدة 3 ساعات.. دا غير إن الصرف استمر ومحدش اهتم من الموظفين بعد موت واحد مننا إنهم على الأقل ينظموا عملية الصرف». وبين طابور طويل استمر لبعد الرابعة عصرًا أمام مكتب التأمينات تساءل إبراهيم السيد أحد المواطنين: «هى دى آخرتنا.. نموت تحت رجلين الناس وما نلاقيش حد ينقذنا.. طيب نشكى لمين وكل المسؤولين محاولوش حتى يعرفوا اللى مات دا مين ومنين وما حاولوش يكلموا أهله؟». بينما قالت فاطمة محمد، إحدى السيدات اللاتى قمن بصرف المعاش: «لم أصرف معاشى إلا بعد وفاة الرجل، وضيق المكان وزحمة الناس كفيلة بأن يموت كل يوم واحد فينا». وأضافت: «زمان كنا بنصرف معاشنا من البوسطة ودا كان بيسهل علينا كتير وماكنتش بتبقى زحمة كدا دلوقتى بقينا لازم نيجى ونقف فى الزحمة من الصبح لحد آخر النهار ونتخانق علشان نعرف نصرف حقنا». وأكد عدد من أصحاب المعاشات أنهم فشلوا فى صرف معاشهم، خصوصا مع خلو عملية الصرف من التنظيم، وقال فهمى محمد طه، من سكان كوبرى الخشب: «جئنا من الصباح الباكر خوفا من الزحام ورغبة فى سرعة الصرف. ولكن المنظر كان مخيفًا من كثرة عدد المواطنين وعدم وجود تنظيم من الموظفين بالمعاشات حتى إننى بعد ساعات طويلة من الانتظار اكتشفت أن اسمى سقط من قائمة صرف المعاشات، وسأضطر للذهاب إلى مكتب تأمينات الألفى حتى أعرف ماذا حدث». فيما رفض المسؤولون بمكتب التأمينات والمعاشات بالمطبعة التحدث إلى «المصرى اليوم» بحجة أنهم تلقوا تعليمات بعدم الإدلاء بتصريحات للصحفيين، وقال أحدهم حول مسألة تنظيم الطوابير: «تعالوا نظموها لو عرفتوا؟»