فى قضايا الأحوال الشخصية، وقضايا الآداب تصدر هيئة المحكمة قرارها : «الجلسة سرية»، لحماية الأخلاق العامة. لكن قرار «حظر النشر» فى قضية مقتل «سوزان تميم»، جاء صادما للجماعة الصحفية، التى التزمت بالقرار –خلال تحقيقات النيابة- وتركت مهمة «السبق» إلى الصحف والفضائيات العربية، ممن لا ينطبق عليهم قرار الحظر. ثم باشرت الصحافة المصرية تغطية جلسات المحاكمة، إلى أن أصدر المستشار « المحمدى قنصوة»، رئيس محكمة جنايات القاهرة، قرار الحظر الذى أفزع الصحفيين جميعا. ليس لأهمية ما يطرح –خلال الجلسات- من تفاصيل غرامية، أو حتى تجاوزات سياسية جعلت من المتهم «هشام طلعت مصطفى»: «أسطورة اقتصادية»!! حالة «الفزع» التى أصابتنا من مناخ عام يتربص بحرية الصحافة، وترسانة قوانين تجعل حرية تداول المعلومات «مهمة مستحيلة». وقبل أن نفيق من مناقشة أسباب قرار حظر النشر، ومدى دستوريته كان الزميل «مجدى الجلاد»، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، والأستاذ «عباس الطرابيلى» رئيس تحرير «الوفد»، وثلاثة زملاء آخرين يتم التحقيق معهم بتهمة «خرق حظر النشر»!!. للأمانة، لم أتوقع يومًا ما أن أجد «مجدى الجلاد» متهماً بسبب خطأ مهنى!. لأنه باللهجة الدارجة «موسوس»، لا يمر «حرف» من تحت أنفه، إلا بعد التحقق من مصدره. فإن تسلل الشك إلى ضميره المهنى، بدأ فى قراءة «السيرة الذاتية» لكاتبه، ودراسة نقاط ضعفه وقوته، وطرح الخبر للاستفتاء العام فى مجلس التحرير!!. وقد لا ينفرد «الجلاد» بتلك الخاصية، ففى هذا التوقيت الحساس أشعر أن معظم رؤساء التحرير يسيرون على «حبل رفيع». إما لمعلومات (يتكتمونها).. أو لهاجس يراودنا جميعا بأن الدولة أصيبت ب «أرتيكاريا» من الصحافة، وأن هناك سيناريوهات جاهزة لإعدام «صاحبة الجلالة»، التى أصبحت طرفا أصيلا فيما يسمى «الحراك السياسى»، وتصدت لفضح لوبى «الفساد».. والدولة لا تريد أقلاما «تحريضية»، أو حتى نقدية!. إنها بحاجة إلى «كتائب» تبصم فى «لاظوغلى» على الولاء للحزب الحاكم. ثم تتولى تلك الكتائب «تصفية» الصحف المشاغبة، بحملات التشهير. علاوة على تسويق شعارات من عينة : «مصر بتتقدم بينا»!. ويبدو أن رجال «أمانة السياسات» اكتشفوا أنهم راهنوا على «الجواد الكسيح»، بعدما فشلت الكتيبة الحالية فى أداء هذا الدور!. فلم يعد أمامهم إلا تكبيل الصحافة (الحزبية والمستقلة) لاستقطاب الخيول الأصيلة .. أو الإطاحة بأقلامهم خلف القضبان!! فى قلب هذا المشهد المرتبك، أعلن النائب «طلعت السادات» تحويل القضية «الجنائية» إلى قضية «سياسية». وخرجت عقود تخصيص أراضى «مدينتى» للنور، ليفهم الرأى العام لماذا يقول «السادات» إن: (أموال «هشام مصطفى» هى أموال الشعب المصرى ولابد من استعادتها)!!. وهكذا تحول مقتل «سوزان تميم» إلى محاكمة «علنية» لأحد أقطاب الحزب الحاكم، محاكمة تفتح أى مظروف مختوم بعبارة «سرى للغاية»، وتكشف للبسطاء أين وكيف تنفق مليارات «التدهور الاقتصادى»!. «الثأر العاطفى» فتح -إذن- «ملفات الكبار»، لتنفرد الصحافة بدور «البطولة» وسط الجماهير، فكان لابد من تطويق الأزمة المتوقعة. رغم إجماع فقهاء القانون على مجافاة قرار حظر النشر للقانون، لأنه لايطبق إلا فى القضايا التى تمس الأمن العام والقومى والآداب العامة، رغم ذلك صدر لهذه القضية قراران لحظر النشر!!. ولفرض مزيد من الغموض والريبة على القرار، لم تعاقب الصحف «القومية» على خرق القرار، بينما تنتظر الصحف (الحزبية والمستقلة) العقاب!.. وتخلت «النقابة» عن مساندة الصحفيين المتهمين بخرق الحظر!. «محاكمة القرن» أطلقت الأضواء الكاشفة فى كل اتجاه، لنعرف أطراف شبكة الفساد العنكبوتية، ونراهم يسقطون تباعا .. رغم «حظر النشر»!!. [email protected]