لو أن هيلارى فازت بمنصب الرئاسة فى أمريكا لما اختلفت اختياراتها للرموز التى تتولى المناصب المهمة عن تلك التى يختارها أوباما الآن. فلو أنها فازت لكان متوقعا أن تأتى معظم اختياراتها من بين من عملوا مع بيل كلينتون أو معها شخصيا طوال العقود الماضية. وهو بالضبط مافعله باراك أوباما. فقد جاءت جل اختياراته حتى الآن من الدوائر التى عملت مع بيل كلينتون، بدءا من رام إمانويل الذى اختاره رئيسا للجهاز الفنى للبيت الأبيض ومرورا بإريك هولدر المرشح لمنصب وزير العدل وتيم جايتنر المرشح لوزارة المالية ولارى سامرز الذى سوف يتولى منصب مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية، بل أكثر من ذلك إذا بأوباما يرشح هيلارى كلينتون شخصيا لمنصب وزيرة الخارجية. ومعنى أن يأتى أغلب فريق العمل ممن عملوا مع كلينتون أن الهيمنة فى صنع السياسة ستكون لتيار يمين الوسط فى الحزب الديمقراطى. فعلى الجانب الاقتصادى جاءت جل اختيارات أوباما من الرموز التى تتبنى رؤى النيوليبرالية التى كانت هى المهيمنة فى عهد كلينتون. فجايتنر وسامرز عملا مع كلينتون والفارق بينهما فى الرؤية محدود للغاية، بل إن جايتنر كان قد عمل أيضا فى إدارات جمهورية، الأمر الذى يفسر الترحيب الكبير الذى لاقاه اختياره لمنصب وزير المالية فى وول ستريت. أما فيما يتعلق بفريق السياسة الخارجية فإن أوباما الذى عارض حرب العراق وتعهد بإعادة الاعتبار للدبلوماسية فى العمل الدولى فقد اختار أن يصدر للعالم هيلارى كلينتون التى رفضت تلك المواقف أصلا وصوتت لصالح قرار غزو العراق بل ولم تختلف مع الكثير من سياسات بوش على الساحة الدولية. وفى الوقت الذى يتوقع فيه الإبقاء على وزير الدفاع الحالى فى منصبه، فإن الجنرال جيم جونز المرشح لمنصب مستشار الرئيس للأمن القومى لم يكن أيضا من المعارضين لحرب العراق ويعد من أشد المؤيدين لزيادة عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان. ولاتوجد فى الواقع مفاجأة فى اختيار أوباما لرموز تنتمى لتيار يمين الوسط فى الحزب الديمقراطى، فالمواقف التى اتخذها أوباما «المرشح» كانت تضعه بوضوح فى تيار الوسط فى حزبه لا فى اليسار كما كان يحلو للبعض أن يقول. بل إن الكثير من مواقفه كانت تضعه فى الواقع على اليمين من هيلارى كلينتون لا يسارها، لكن لعل المفاجأة كانت فى إصرار أوباما على اختيار وجوه ذات خبرة طويلة بالعمل السياسى فى واشنطن. والمفارقة بالغة الدلالة بين الرسالة التى حملتها تلك الاختيارات وبين الرسالة التى عبر عنها الناخبون فى صناديق الاقتراع. فالناخبون كانوا قد رفضوا كل أصحاب الخبرة فى واشنطن وفضلوا عليهم أوباما صاحب الخبرة المحدودة أملا منهم فى التغيير، فإذا بأوباما يدافع عن اختياراته فى مؤتمر صحفى قائلا إن «تلك اللحظات الحرجة من تاريخ أمريكا» فى حاجة إلى «أصحاب الخبرة». ولو أن الناخبين يؤمنون فعلا بتلك الفكرة لفازت هيلارى بترشيح الحزب الديمقراطى وفاز ماكين بمنصب الرئاسة! ألم أقل لكم إن الفارق كبير بين «حركة» أوباما وبين أوباما نفسه؟!