عادت المبادرة العربية للسلام، لتطفو على سطح الأحداث السياسية من جديد، خاصة بعدما أبدى الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما اهتمامه ودعمه بقوة للمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، إذ يعتقد أنه سيكون رفضها ضرباً من الجنون بالنسبة إلى تل أبيب. الاهتمام الذى أبداه أوباما بمبادرة السلام، بدأ فعلياً عندما كان فى زيارة استطلاعية للشرق الأوسط، فى يوليو الماضى وخلال حملته الانتخابية حينها، اعتبر أن هذه المبادرة توفر إمكان تحقيق السلام بين إسرائيل والعالم العربى، لذلك فهو سيلقى بثقله وراء هذه المبادرة، التى أقرتها القمة العربية عام 2002، خاصة بعد أن حثت مجموعة من المستشارين البارزين المختصين بالشؤون الخارجية من الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى أمريكا، أوباما على إعطاء أولوية رئيسية لهذه المبادرة العربية فور توليه السلطة فى يناير المقبل. إذ ترى هذه المجموعة أن الشرق الأوسط يعتبر من أكثر مناطق العالم فى عدم الاستقرار، فإذا تم العمل مبكراً لاستئناف عملية السلام، فربما يكون المناخ السياسى يؤيد إمكانية التوصل إلى اتفاق لحل النزاع فى المنطقة. ويبدو أن هذه الحماسة التى توليها الإدارة الأمريكيةالجديدة بشكل خاص بالمبادرة العربية، قد انتقلت عدواها إلى الساسة فى إسرائيل، فالفرصة التى يراها الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق سلام فى الشرق الأوسط العام المقبل، مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وكان قد لوح قبلها بأسابيع قليلة، عن إمكانية أن تكون المبادرة العربية للسلام، أساساً يمكن البناء عليه، والانطلاق فى المفاوضات من خلالها. وكذلك فعل إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلى، وإذا كانت المبادرة العربية حين تم طرحها، من قبل المملكة العربية السعودية فى قمة بيروت عام 2002، ونالت الاهتمام والتأييد العربى من منطلق وضع حد لمعاناة الفلسطينيين، وحل قضية الصراع العربى - الإسرائيلى، فكانت نواياهم خالصة، لذلك فإن النوايا الإسرائيلية وحتى الأمريكية، يمكن أن تفسر على نحو آخر. وتبقى على خط الحذر والاختبار، خاصة أن الوقت لم يتح بعد لتبين مواقف الرئيس الأمريكى الجديد، بشكل واضح، رغم أن ظاهرة أوباما - كما أشار لها مسؤول عربى رفيع - تستحق الوقوف أمامها ودراستها. إذ ربما يكون الرئيس المقبل حريصاً على إيجاد حل للصراع العربى - الإسرائيلى، وحل القضية الفلسطينية، ويتحدث عن السلام فى فلسطين باهتمام، لكن ذلك لا يمنع الأخذ بعين الاعتبار، دوائر القرار داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى قد تعرقل أى توجه نحو السلام، وتعمل لخدمة إسرائيل، والدليل على ذلك ما قاله إسحق رابين، رئيس الوزراء الراحل عندما زار الولاياتالمتحدة، فاصطدم بدوائر أكثر تشدداً وتعصباً من الليكود فى إسرائيل نفسها، فرد عليهم: «من لم يرسل أولاده للقتال، ليس له الحق أن يملى علينا سياساتنا». وهذا التشدد الذى لايزال يقبع فى ثنايا صناع القرار فى أمريكا، يجعل من السابق لأوانه، التكهن بما قد يكون عليه الحال، وكذلك الحال فيما يخص إسرائيل التى لم تقبل المبادرة بشكل رسمى، لا فى الحكومة ولا فى البرلمان «الكنيست»، لكن ما يحدث من تصريحات هنا أو هناك على لسان بعض المسؤولين والقادة الإسرائيليين، لا يعدو كونه ذراً للرماد فى العيون. وعلى أقصى تقدير هو حملة علاقات عامة، وبيريز تحديداً، معروف عنه أنه يصرح بالشىء ونقيضه فى الوقت نفسه، فهو يريد مبادرة سلام لكنها خالية من قضايا أساسية ملحة، كالقدس واللاجئين، كما أن إيهود باراك، حينما لوح بموافقته على الأخذ بالمبادرة العربية للسلام، إنما هو يحاول بذلك إنقاذ نفسه، خاصة أن حزب العمل الذى يترأسه، فى حالة انهيار، لذا فهو يريد استخدام تصريحاته هذه، كورقة تدلل على أنه يسير فى الاتجاه الصحيح. وأمام هذه العوامل المحبطة لايزال الأمل كبيراً فى إدارة أوباما لضخ دماء جديدة فى شرايين عملية السلام.