اسمحوا لى بأن أخوض فى هذا البحر المتلاطم الأمواج، خصوصا إذا كنتم تتفقون معى أن سمعة القضاء المصرى تضررت كثيرا، وأن هيبة العدالة اهتزت فى عيون الناس، وأن القضاة حين خرجوا من محرابهم، تاركين منصاتهم العالية، متبادلين الاتهامات فيما بينهم بين قاضٍ مُسيس وآخر مأجور وثالث مرتش، هانوا على أنفسهم فهانوا على الناس. ورغم أن القضاء المصرى عريق فى إرساء قواعد الحق والإنصاف، متجذر فى النزاهة والحيادية والشفافية، ويعمل وفق قواعد صارمة تضمن له الاستقامة، إلا أن عللا كثيرة سكنت الجسد الطاهر، فبدا مترنحا من كثرة الطعنات وكان أول الطاعنين من أعضاء الجسد الواحد، وثانى الرماة بالسهام المسمومة من بعض أهل القضاء الواقف المصابين بهوس تلويث سمعة الشرفاء، وثالث الضاربين أصحاب التعليقات السطحية الذين يبرئون ويدينون ويهيلون التهم فوق رأس من قضى بحكم لا يلقى الهوى عند أصحاب الضمائر الزائغة. لنبدأ بما يجرى على الساحة الآن، ففى نادى قضاة الإسكندرية صراع بين جبهتين وتهم تشكك فى نزاهة الانتخابات التى فاز فيها المستشار إسماعيل بسيونى على المستشار محمود الخضيرى، وأخرى تشكك فى نزاهة بعض أعضاء مجلس الإدارة فى أنهم يستغلون النادى للتربح من أعمال عقارية ومقاولات (المصرى اليوم 29 أكتوبر 2008). ناهيك عما يحدث فى نادى القضاة بالقاهرة من تصارع وتناحر يبدو فى مجمله ضغائن شخصية، فالمستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى قضاة مصر انزعج من زيارة قام بها المستشار مقبل شاكر رئيس المجلس الأعلى للقضاء لنادى قضاة الإسكندرية، وأكد عبد العزيز فى تصريح لموقع (إخوان أون لاين) فى 17-7 -2008 أن ما يقوله شاكر للقضاة فى اجتماعاتهم كلام عابر وتهريج وكلام فض مجالس. هذا كلام نشر حرفيا ولم يعلق عليه أحد، كلام من قاض فى حق شيخ القضاة وليس من قاض ضد قاض آخر. كلام لم نسمع عنه من قبل حين كان القضاة يقدسون مهنتهم ويجلون كبيرهم وينصرون ضعيفهم ويعاقبون فاسدهم.الآن نسمع عن المستقلين والإصلاحيين، بما يعنى أن فى الضفة الأخرى قضاة تابعين وموالين وفاسدين، ونحن نربأ بالقضاة أن يكونوا كذلك (بالمطلق)، إذ يمكن أن يكون منهم من يوالى أو يحابى، لكن هؤلاء مؤكد أنهم فئة قليلة جدا، والعيب فيهم وليس فى النظام القضائى، الآن تسيطر معارك الانتخابات المقبلة على الساحة القضائية. الآن يهدد نادى القضاة آلاف القضاة بإلغاء عضويتهم لأنهم لم يسددوا اشتراك العضوية أو حرمانهم من حق الترشح والتصويت فى الانتخابات المقبلة. القضاء المصرى جدير بالثناء فى الوقت الذى ترتكب ضده جرائم نكراء. فإذا ما نظرنا إلى نظامنا القضائى سنجده قضاء مستقلا فى معظم درجاته، خصوصا دوائر الجنايات والنقض إذ لا سلطان على قضاة هذه الدوائر إلا ضمائرهم ولا يملك أحد من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية أن يملى على القاضى ما يحكم به لان القانون يمنح القاضى الحق كاملا ولا يجعل أمره بيد أحد يجزل له العطاء أو يمنع عنه الراتب أو الدرجة، وبالتالى فإن مال القاضى جهة لا يرضاها ميزان العدل، فميله محض دوافع شخصية، وخطيئة تحتاج إلى التطهير. ثانى الجراح هو إصدار الأحكام قبل القضاة على صفحات الجرائد وكل متهم وشطارته، إذ بتنا نرى صحفا تحكم بالبراءة وأخرى بالإدانة وهنا يضيع القاضى الشريف لأنه سيكون مدانا فى الحالتين، وبالتالى بات القاضى عرضة للقيل والقال والتعليقات الجارحة بعد صدور الأحكام التى ترضى فئة دون غيرها، لكن مثلما تطلق الأحكام من فوق المنصات تطلق التعليقات والإهانات أيضا، حتى بات شرف القضاء على المحك ولولا العقلاء لتشاجر القضاة فى طرقات المحاكم.