منتهى السخف ما يدور الآن حول فتاوى تهنئة الأقباط بالعيد، وهل يذهب مرسى إلى الكنيسة أم لا يذهب، وما عبر عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل من رد مستشار الرئاسة على اقتراحه بذهاب مرسى إلى الكنيسة بقوله «يا نهار أسود مرسى فى الكنيسة».. منتهى السخف أن يتردد مثل هذا الحوار من الأصل، فالمؤكد أن الأقباط لا يسعدهم بأى حال من الأحوال ذهاب مرسى من عدمه إلى الكنيسة، بل الأغلب أنهم لا يتمنون حضوره، خاصة بعد أحداث الكاتدرائية، وتورط الرئاسة فى شخص عصام الحداد فى محاولة تحويل الضحية إلى مذنب، خاصة أن الأقباط لديهم غصة من هذا الأسلوب، لأنه سبق أن تعرضوا له من قبل بعد مذبحة ماسبيرو .. منتهى السخف أن يجد مواطن مصرى أعياده الخاصة بعقيدته محل مناقشة «قومية» هل تتم التهنئة بها أم لا؟ .. لكن بعيداً عن مشاعر القبطى فى وطنه فى ظل هذه المهاترات علينا أن نطرح العديد من الأسئلة أولها لماذا ذهب مرسى للتهنئة بالعيد فى الكنيسة، وهو مرشح رئاسى، بينما الآن يجده مستشاروه يوماً أسود؟ أم أن الضرورة تبيح المحظورات فعندما ذهب كان مرشحاً يبحث عن أصوات الناخبين، بينما الآن هو رئيس، وإن كنا جميعاً قد استقررنا على أنه رئيس للإخوان وحدهم، وليس رئيساً لكل المصريين مسلمين ومسيحيين.. لن أتساءل لماذا لم يخرج علينا مفتى الجماعة وقتها بفتوى مماثلة لما خرج علينا به الآن خاصة بالتهنئة بأعياد الأقباط، ولا يقول لى أحد إن اختلاف العيد هو ما يدفع بهذا اللغط، فالتهنئة لا تستدعى الاعتراف بالعيد كعقيدة، وإلا كانت تهنئة الأقباط للمسلمين اعترافاً منهم بعقيدتهم وانقلاباً فى ذات الوقت على العقيدة المسيحية.. العالم كله يتبادل التهانى فى الأعياد، ولا يعنى هذا اعترافاً من أحد بعقيدة الآخر، بل نوع من المشاركة وتبادل الود. المشكلة الحقيقية هنا ليست فى مشاعر الأقباط تجاه هذا السخف، الذى يتردد حول تهنئتهم، وكأنما هبطوا فجأة على مصر، ومطلوب تحديد موقع الآخر منهم. المشكلة هنا أننا لسنا فقط أمام فصيل متشدد كالسلفيين مثلا يثير مثل هذا الجدل كما هو جارٍ فى مصر بعد الثورة، حيث تصور السلفيون أن الوطن صار وطنهم وحدهم، وباتوا يفصلونه على مقاسهم وحدهم، خاصة بعد وصول مرسى إلى الكرسى، وهو ما لمسناه جميعاً من تصرفات وأقوال .. المشكلة ليست مرة أخرى فى فصيل متشدد، ولكن فيمن يحكم ومفتى الجماعة عندما يخرج بمثل هذه الفتوى لا يشكل مشكلة للأقباط، بل هو فى الواقع يشكل مشكلة للرئيس محمد مرسى، الذى يعد الأقباط بوعود من جهة، ثم يخرج علينا مفتى جماعته ليجهض هذه الوعود قبل أن ينقلب عليها الرئيس، وقبل أن يخرج علينا أعضاء جماعته من ناحية أخرى فى البرامج والتصريحات ليهاجموا الأقباط، ويكشفوا عن وجه متعصب لا يخطئه أحد. المشكلة ليست إنسانية فقط من حيث مشاعر الأقباط فى وطنهم أمام تنامى السخف المتمثل فى مثل هذا الجدل.. لكنها بالأساس مشكلة سياسية تتمثل فى نظام سياسى لا يستطيع أن يفصل بين مسؤوليته عن الحكم ومعتقداته الدينية، حيث بالضرورة هذه المسؤولية يتضمن فيها فصيل فى الوطن هم الأقباط .. المشكلة الحقيقية هى أن مرسى يثبت يوماً بعد الآخر أنه ليس رئيساً لكل المصريين، بل رئيس لجماعته وحدها، التى تؤكد هذا فى كل موقف، وتثبت هذا بكل فتوى.. ولكى نحسم الجدل الأقباط لا يريدون حضور مرسى، ولا ينتظرون تهنئة من ينتظر الفتوى فقد اعتادوا على تهنئة جيرانهم وأصدقائهم من المسلمين، الذين لا تحركهم فتاوى مفتى الإخوان.