«ألو.. أيوه.. مساء الخير ياعمرو، أنا داخل أنام.. تصبحوا على خير!» كان هذا كل ما قاله الفنان عادل إمام حين اتصل هاتفياً على الهواء ببرنامج «القاهرة اليوم»، متحدثاً لمقدمه الزميل عمرو أديب، وكنت أحد ضيوفه ليلة انتخابات الرئاسة الأمريكية، كانت المكالمة غريبة بغض النظر عن مدى جدية النقاش أو أهمية الحدث أو مدى اتفاق البعض أو اختلافهم مع المنحى الذى اختاره مقدم البرنامج للتعامل مع الحدث وهو استقصاء رأى المشاهدين عن: متى تشهد مجتمعاتنا العربية انتخابات مشابهة، تأتى بشاب من الأقلية المهمشة إلى أكبر منصب فى أكبر دولة فى العالم؟ لم أفهم ما الذى دفع «الزعيم» كما يحلو للكثيرين تسميته، نسبة لمسرحيته ومسرحه، إلى تجشم عناء الاتصال الهاتفى لمجرد إبلاغنا أنه ذاهب إلى الفراش، لقد تعلمنا فى آداب الحوار أن نقول شيئاً ذا معنى أو نصمت، ومن ليس لديه ريموت كونترول لتغيير القناة، فلديه مفتاح لإغلاق التليفزيون بأكمله. حاولت أن أجد تفسيراً لهذه المكالمة فلم أجد سوى أنها قد تكون تعبيراً عما يحدث لأى «زعيم» يفسده طول التربع على العرش، دون أن يسمع نقداً أو نصحاً، حتى يفرعنه المؤلهون له. لقد أصبح عادل إمام رمزاً وطنياً يخشى الناس أن يعاملوه معاملة البشر، حتى لا يتم التشكيك فى وطنيتهم أو حسهم العام، بشكل يذكرنى بصدمتى فى صغر سنى لمن انتقدوا أم كلثوم أو تهكموا عليها من شعراء أو خطباء مفوهين، أعجبت بأسلوبهم سواء كانوا من اليسار أو اليمين، كالشاعر أحمد فؤاد نجم والواعظ الراحل عبدالحميد كشك. تلك الرهبة من انتقاد الزعيم الرمز جعلتنى أحجم عن التعبير عن رأيى النقدى فى أداء «الزعيم» بفيلمه الأخير «حسن ومرقص»، الذى أعجبتنى فكرته بينما بدا لى فيه أداء الزعيم وكأنه لم يخرج من شخصيته وتعبيرات وجهه المعتادة، وكأنه يريد للشخصية أن تتقمصه بدلاً من أن يتقمصها لنذكره باسمه فيها، وبدون التشكيك على الإطلاق فى القدرات الفنية لأبناء عادل إمام، فقد سيطرت على ذهنى فكرة تشابه ما يفعله كل زعيم فى منطقتنا العربية من حيث إشراك الأبناء فى البطولة والإخراج، إن فؤاد المهندس لم يدفع بأبنائه إلى ساحة الفن أو عزف عن دعم الشباب الصاعدين فى عهده كعادل إمام طالما أن أبناءه غير معنيين بالتمثيل. أين القدوة، يا زعيم؟ مثلما كان أصعب شىء على نفسى فى مشاهدة «حسن ومرقص» أن أرى اسم عمر الشريف ينزوى فى المرتبة الثانية رغم تقاسمه البطولة بينما يتصدر الشاشة اسم الزعيم، كما تتصدر أسماء كل زعمائنا نشرات أخبارنا، لقد كان عمر الشريف ضيفاً على فيلم ذى طابع عائلى، ومازال يأتينا كضيف فى مصر لا ينافس أحدا، فلم لم نكرمه إكرام الضيف لنقدمه علينا، كلفتة كريمة وبغض النظر عن تاريخ الرجل ومكانته؟ غياب اللفتة الكريمة كان آخر ما آلمنى وخيب أملى فى تصرفات الزعيم، لما حدث أمام مساء السبت الماضى، كنت على مائدة عشاء تجمع بعض الإعلاميين المصريين ممن يعملون فى الداخل والخارج، بعضهم من جيلى والبقية من الجيل الجديد فى سنوات عملهم الصحفى الأولى، لكن جمعتنا شبه قناعة فى تلك القاعة المكتظة حولنا بما سيفعله الزعيم عادل إمام حين يتسلم جائزته عن «الإبداع الفنى» من مؤسسة الفكر العربى، التى كنا نحضر حفلها الختامى للمؤتمر السنوى السابع «فكر» بالقاهرة. كان قد سبق عادل إمام على المنصة لتسلم جائزة «الإبداع الإعلامى» عن تليفزيون الشرق الأوسط «إم بى سى» السعودى، الشيخ وليد الإبراهيم، الذى أعلن التبرع بقيمة الجائزة لصالح مستشفى الأطفال لعلاج السرطان فى مصر، راهنا وقتها على أن الزعيم قد أسقط فى يده، وأنه حتى لو لم يكن ينوى التبرع بقيمة الجائزة فسوف تأخذه العزة المصرية، كرمز وطنى ليحذو حذو رجل الأعمال السعودى، الذى سبقه وتبرع بكل أو جزء من قيمة الجائزة لذاك المستشفى أو غيره من مئات مشروعات الخير التى تكافح الفقر والمرض بين أبناء شعبنا وذوينا. جاء دور الزعيم، فصعد إلى المنصة متسلما الجائزة من مانحها صاحب المؤسسة، الأمير والشاعر السعودى خالد الفيصل، وكما فعل الفائزون قبله توجه عادل إمام إلى الميكروفون ليبدأ كلمته كالتالى: «مساء الخير.. كلما تحسست جيبى أدركت قيمة هذه الجائزة»، ومضى الزعيم مسترسلاً وبدا كأنه يحاول استجماع الكلمات والتعبيرات الثقافية المستهلكة على لسانه، بشكل يلفت الانتباه ويثير التساؤل عما إذا كان يقصد بتلك الوقفات الإضحاك بأسلوب «مدرسة المشاغبين» أم أنه يعانى إجهاداً بدنياً أو إرهاقاً ربما حاول التغلب عليه بمسكنات قبيل الحفل. ورغم أن من سبقوه اكتفوا بكلمات مقتضبة لمراعاة أن الفائزين ينتظرون اكتمال عددهم على المسرح لالتقاط صورة جماعية تذكارية، فلم يرح الزعيم نفسه أو غيره وأطال فى خطبته، التى بدت مفككة غير مبدعة بل وخرجت عن النص ولغة وجو الفكر، حين أكد عادل إمام أهمية الضحك، مثلما قرأ فى كتاب أهداه إليه كاتب صديق له، اجتهد لفترة فى تذكر اسمه، موضحاً وسط ضحك الحاضرين أن «الضحك له تأثير إيجابى على القوة الجنسية». أنهى الزعيم كلمته الطويلة، دون لفتة مصرية سوى «الطناش» للتبرع ولو بجنيه واحد من قيمة الجائزة لأى مشروع، مفضلاً على ما بدا أن يكون زعيماً بالأخذ لا بالعطاء، أما نحن المتأملين فى لفتة كريمة من الزعيم، ولو بدافع الإحراج، فقد تبادلنا النظرات وابتلعنا الحسرات دون تعليق. تذكرت وقتها قصة سيدة أمريكية محدودة الدخل شاهدتها على التليفزيون قبل أسبوع، كسبت 30 ألف دولار فى مسابقة برنامج «من يريد أن يكون مليونيراً؟» فاحتفظت بثلثى المبلغ فقط لتصلح بيتها الذى أتلفه إعصار وتلبى بعض احتياجاتها الضرورية، وأصرت على التبرع بالثلث الآخر، أى 10 آلاف دولار لمطعم خيرى يقدم الوجبات للفقراء والمعوزين بمدينة بوسطن، كمشاركة منها للناس الذين يمرون بظروف صعبة أو فقدوا وظائفهم بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة! تذكرت هذه السيدة البسيطة التى لم تزعم أى زعامة، وشعبها الذى لا يضيق زعماؤه بالنقد، راجياً أن يحذو زعماؤنا حذوهم، ويفسحوا صدورهم على الأقل للنقد والنصح، بدلاً من أن يسعوا لقطع لسان المعارضين «من لغاليغه؟.. أيوه لغاليغه يا بهجت يا أباصيرى!!».