سعدت جداً بالقرار الذى أصدرته الحكومة، بألا تمتد الأزمة المالية التى فجرتها الإدارة الأمريكية فى العالم إلى الاقتصاد المصرى، فقد كنا فى حاجة ماسة لمثل هذا القرار، فى الوقت الذى لم يسلم فيه أى اقتصاد فى العالم من تلك المصيبة، التى أرادت إدارة الرئيس بوش أن تتركها للعالم على سبيل الذكرى للسنوات الثمانى، التى أتحفتنا فيها بعدد كبير من المصائب، لن تتمكن الإدارة الجديدة للرئيس الجديد باراك أوباما من الإتيان بمثلها. لقد كان الهم الأول لكل دول العالم هو التحصن من آثار أزمة الرهن العقارى التى تفجرت فى الولاياتالمتحدة، فكشفت الحساب المالى الأمريكى وهددته بالإفلاس، مما اقتضى ضخ مبلغ 700 مليار دولار من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين لتفادى ذلك المصير. وبالطبع، انشغلنا فى مصر بما يمكن أن يطول اقتصادنا من آثار تلك الأزمة، خاصة وقد صدعت الحكومة رأسنا طوال السنوات الأخيرة بالتأكيد على أننا جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الدولى، فإذا ارتفعت أسعار البنزين أو السلع الغذائية، شرح جهابذة الاقتصاد فى الحكومة أن موجة الغلاء إنما هى موجة عالمية، وأننا جزء من الاقتصاد العالمى، ولا نستطيع أن نتفادى هذا الغلاء. وإذا شكونا من البطالة عاد الجهابذة مرة أخرى يذكروننا بما سبق أن قالوه، والذى لا يبدو أننا نريد الاقتناع به، وهو أن معدلات البطالة مرتفعة فى جميع دول العالم، التى تتبع نظام اقتصاديات السوق والذى تلهث الحكومة منذ سنوات لتطبيقه والحصول بذلك على شهادة حسن السلوك من البنك الدولى. لكن.. ها هى الحكومة نفسها، وها هم الجهابذة أنفسهم، يخرجون علينا بعد تفجر الأزمة المالية العالمية التى ولدتها مصيبة الرهن العقارى الأمريكى ليصدروا قراراً رسمياً بأننا لسنا جزءاً من الاقتصاد العالمى، وأننا لن نتأثر بالأزمة الحالية.. وهو قرار حكيم طمأننا جميعاً على صحة السياسة الاقتصادية للحكومة، وعلى مرونة جهابذتها الاقتصاديين الذين يصدرون قرارات واجبة التنفيذ قد تبدو متناقضة، لكنها فى النهاية لا تبتغى إلا الصالح العام الذى تمثله الحكومة. فإذا اقتضت مصلحة الحكومة، الممثلة للصالح العام، أن ترفع أسعار بعض السلع.. فعلت ذلك باعتبارنا جزءاً من الاقتصاد العالمى، الذى ترتفع فيه الأسعار كل يوم، وإذا اقتضت تلك المصلحة التأكيد على سلامة اقتصادنا الذى لا يتأثر بتقلبات الاقتصاد العالمى، أصدرت الحكومة على الفور ما يفيد بأننا لسنا جزءاً من الاقتصاد العالمى. وبسبب الثقة العظيمة التى تتمتع بها الحكومة بين أبناء الشعب المصرى، والشعبية الهائلة التى تحيط بجهابذتها الاقتصاديين، فقد صدقنا جميعاً ما ذهبت إليه الحكومة، وسارع كل مواطن مصرى إلى شراء بطيخة صيفى لوضعها فى بطنه قبل أن ينقضى موسم البطيخ.. ونظراً لأنى، وإن كنت أحب البطيخ، إلا أننى لا أكثر منه. فقد ظللت أبحث عن رأى الخبراء ممن لا يأكلون كثيراً من بطيخ الحكومة، فلم أجد أفضل مما كتبه فى هذا الشأن الاقتصادى ورجل القانون الدولى الدكتور طاهر حلمى، الذى أوضح بشكل علمى، فى حديث له مع جريدة «ديلى نيوز» أن الأزمة العالمية الحالية، وإن كانت لن تمتد بشكل مباشر إلى نظامنا البنكى كما حدث فى الولاياتالمتحدة، إلا أننا سنتأثر بشكل مؤكد بما سيتولد عنها من ركود فى الأسواق العالمية. ورغم إصراره على ضرورة المضى قدماً فى اتجاه اقتصاد السوق، فإنه يرى بعين الخبير أن ذلك سيصبح أكثر صعوبة فى المرحلة المقبلة وسيتطلب من الحكومة تدخلاً أكبر من ذى قبل، وهو ما حدث فى الولاياتالمتحدة للحد من جشع رأس المال الخاص. ولقد أوضح طاهر حلمى فى حديثه كيف سيتأثر اقتصادنا بالأزمة العالمية، فقال أولاً إن كل المشاريع الكبرى، خاصة ما يتصل منها بالبنية التحتية سيتأثر، لأن تمويلها يعتمد على البنوك الأجنبية، حيث إن ميزانياتها تصل إلى بلايين الدولارات، وهنا أيضاً يجب على الحكومة أن تتدخل، لأن اقتصادنا يعتمد اعتماداً كبيراً على مشاريع البنية التحتية، وهو يرى أن إحدى الوسائل الفعالة لتعويض النقص المتوقع فى التمويل الأجنبى لمشاريعنا الكبرى هى الاعتماد على الاستثمارات العربية. ولقد عدّد طاهر حلمى بعض مجالات الدخل القومى التى ستتأثر عندنا مباشرة بالأزمة العالمية، فذكر على سبيل المثال قناة السويس والسياحة والصادرات والواردات، ثم ترك بطيخ الحكومة جانباً وتحدث بلغة لا تتحدث بها الحكومة ولا يتقنها جهابذتها. حيث قال إن الاعتماد على نظرية أن الرخاء الاقتصادى ستتساقط قطراته إلى الطبقات السفلى من المجتمع، لم يعد يجدى، وأن الحكومة عليها الآن، أكثر من أى وقت مضى، أن تتقدم ببرامج اجتماعية وبمشروعات اقتصادية لرفع المعاناة عن الفقراء ومحدودى الدخل.. وقد جاء حديثه هذا مع انتهاء موسم البطيخ فى الأسواق.