حقاً.. إنهم يبيعون الترام

كنا أيام الطفولة نتناقل نكتة الشخص الذي اشترى الترام، وإن دلت على شىء فهى أكيد تعكس ذكاء الشعب المصرى بالفطرة، وبعد خمسين عاماً تصبح هذه النكتة حقيقة! فتطالعنا الصحف هذه الأيام بمناقشة مبدأ عرض صكوك الملكية العامة لأفراد الشعب، والكوميديا فى هذا الموضوع أن يحدث هذا فى توقيت الأزمة الاقتصادية العالمية، والتى أجبرت كبرى الدول الرأسمالية على أن تفرض سيطرتها على العديد من مؤسساتها!
وبعد أن يملك الشعب جزءاً من أصول الدولة يكون لأى فرد حرية البيع، وأى مواطن - الذى تحاصره مشاكل لا حصر لها بدءاً من توفير لقمة العيش، والمسكن الآدمى مروراً بتدهور التعليم والخدمات الصحية... إلخ - يمكنه أن يحتفظ بصكوك الملكية لأولاده،
بينما حيتان الخصخصة يتربصون لشراء هذه الصكوك التى يحصل عليها المواطن مقابل القيمة الاسمية، أى أننا فى النهاية سنصل إلى نفس نتيجة الخصخصة «يعنى أحمد زى الحاج أحمد» عند بيع المصنع أو المنشأة وتسريح العمال نظير مكافأة مالية لا تسمن ولا تغنى من جوع، والهدف كان هو عدم معارضة العاملين عند بيع المنشأة، ولذلك انتشرت البطالة وما نتج عنها من مضاعفات ساهمت فى تردى أخلاقيات المجتمع!
وعلى أحسن الظنون سوف يشترى هذه الصكوك مليارديرات هذا الزمن «نتيجة زواج الثروة بالسلطة وحيث التكافل الاجتماعى عند بعضهم منهاج غريب» وبذلك سوف تنتقل الأصول إلى الصفوة، ولكن هذه المرة عن طريق الشعب «حيث نسبة الفقر حسب آخر إحصائية 45٪»..
وبالتالى سوف تتجنب الحكومة صداع الخصخصة، ولن تتعرض للانتقادات.. «ومن المعروف أن 161 شركة تمت خصخصتها بمبلغ 17 مليار جنيه، نصفها ديون للبنوك منذ 1990 وإلى الآن» أما أسوأ الظنون فهو بيع هذ الصكوك للأجانب،
 وما أدراك ما الأجانب وسوف نرى مصر ومؤسساتها بعد فترة وجيزة «لا تزيد على 10 سنوات» مملوكة لجنسيات أخرى، إن لم يكن لجنسية بعينها تخطط وباستراتيجية علمية ودءوبة لتحقيق مآربها! فليتنا ننتبه لهذا الفخ حتي لا نجد أن البلد فى أيدى رجال الأعمال، الذين لا يضعون للبعد الإنسانى لرأس المال أى اعتبار، أو فى أيدى الأجانب،
 وفى كل الحالات سوف تزداد المسافة بين «الناس اللى فوق والناس اللى تحت» مع اعتذارى للمسلسل الإنجليزى!
أ.د. محمود عبدالهادى محمد
عميد كلية صيدلة الإسكندرية الأسبق