يعتبر أصل اسم الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما نسبة إلى براك، وهو النطق السواحيلى (اللغة الوطنية فى كينيا) للكلمة العربية بارك، حيث إن مئات الكلمات فى اللغة السواحلية ذات أصول عربية، مثلما هو اسم يستخدم كثيراً فى دول الخليج العربى وتم تحريفها إلى باراك، حيث إن اسمه الحقيقى براك حسين أبو عمامة، كان والده قد هاجر إلى أمريكا قبل عشرات السنين واستبدل بالعمامة قبعة الكاوبوى لكنه لم يستبدل دينه الإسلامى بالمسيحية. يمتاز أوباما عن منافسه فى الانتخابات أو عن أى من أولئك الذين خاضوا الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنوات طويلة منذ جون كينيدى بأنه أكثرهم جاذبية وامتلاكاً لقدرات فائقة فى لفت الانتباه شكلاً ومضموناً، كما أنه يمتاز بكاريزما خاصة فقدت بين الرؤساء الأمريكيين لسنوات طويلة، عززت من قوة موقفه باتجاه البيت الأبيض، اضافة إلى امتلاكه قدرات خطابية وكلامية هائلة وبلاغة فائقة وانتقاء رائعاً للعبارات والمفردات، وهى ما جعلت أغلبية الناخبين الأمريكيين يتطلعون لإحداث تغيير جذرى وكبير فى الانتخابات ويقبلون على انتخابه كأول رجل أسود رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية. حتى مقدم الرئيس الأمريكى الحالى جورج بوش إلى البيت الأبيض واعتلائه كرسى السلطة، كانت أمريكا دولة مؤسسات، كانت لا تحكم من خلال رغبات الرئيس فحسب ولكن من خلال قواعد وأسس ثابتة لا تتغير، ومن يقرأ التاريخ الأمريكى، وبالأخص من خلال مذكرات ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر، يجد أن أمريكا كانت دائماً دولة لا تحكم بقرارات فردية إنما تخضع القرارات فيها لتمحيص وتوافق من قبل أجهزة كثيرة فى الدولة.. ولكن جورج بوش استطاع تغيير تلك القاعدة، وأدار أمريكا مثلما تدار الدول فى العالم الثالث، واستطاع أن يجد ثغرات كثيرة يتغلغل من خلالها إلى أروقة المؤسسات ليحقق ما يريد. لن يتذكر أوباما سنوات اضطهاد السود فى أمريكا حتى وقت قريب، حين كان الأمريكى الملون لا يحلم بأن يكون أكثر من خادم للأمريكى الأبيض، فأوباما لم يعش تلك السنوات السوداء، ولم يسمعها فى أحاديث والده وذكرياته لأنه هو أيضاً لم يعشها كونه هاجر مؤخراً إلى أمريكا. يعتبر باراك أوباما، مسيحياً كان أو مسلماً، أملاً انتظرته أمريكا ليعيد إليها مجدها وبريقها.. خاصة أنه يتحدث بخطاب مختلف عمن سبقوه، يضرب بأهمية التعليم أكثر من أهمية الاقتصاد، ويعد بإنهاء حالة البطالة فى المجتمع الأمريكى قبل أن يبحث فى إصلاح دول العالم الأخرى، يحارب مظاهر التخلف والفقر والفساد والانحراف فى أمريكا قبل أن يحارب العالم من أجل الديمقراطية التى لم تتحقق مثلما كان يريد بوش.. أو مثلما كان يتقمص. انتخب الأمريكيون أوباما لأنه وضع يده على جرحهم وعمل على شفائه، ولم يأتهم بجراح أخرى أكثر مما يحتملون.. أظهر أوباما للأمريكيين جدية فى طرح القضايا وخشونة فى حلها كانوا بحاجة إليها أكثر مما هم بحاجة إلى وجه جميل، مثل سارة بالين التى اختارها ماكين نائبة له، بينما اختار أوباما العراقة والخبرة والتحدى. لم يتأثر أوباما كثيراً بمسيرة حياته المتعثرة، منذ طلاق والده الكينى من والدته الأمريكية التى تزوجت بعد ذلك شاباً إندونيسياً، ولم يتأثر بتجزئة مصادر ثقافته حين درس فى مدارس إسلامية ثم انتقل إلى مدارس مسيحية كاثوليكية والتى على أثرها اعتنق المسيحية.. لا ذكريات لأوباما فى كينيا ولا إندونيسيا ولا أى من العالم الإسلامى.. ذكرياته أمريكية خالصة.. وهو ما انتخبه الأمريكيون لأجله. وفى المنافسة بين المرشحين نجد أن هناك فرقاً كبيراً بين ساشا وميجان.. هذا الفرق هو أيضاً جزء من التغيير الذى يبحث عنه الأمريكيون، فميجان هى الابنة الجميلة لماكين، تتحلى بكل صفات الجمال حسب المقياس الأمريكى، بيضاء وشقراء وقوام ممتلئ نسبياً، لكنها قد تذكر الأمريكيين بابنتى بوش اللتين تصدرت صورهما أخبار الحوادث فى الصحف لمرات عدة لكثرة ما ارتكبتاه من مخالفات وسوء سلوك.. أما ساشا النحيفة السمراء، الممتلئة براءة وخفة، فهم سيضمنون بقاءها خارج دائرة الملاحقة والاتهامات اللا أخلاقية. أمريكا اليوم بحاجة إلى إعادة تأهيلها محلياً ودولياً من أجل أن تنفض عن كاهلها غبار الغباء السياسى الذى ألحقه بها جورج بوش الابن وأتباعه، وتحتاج إلى أن تستعيد مكانتها العالمية دون كره أو بغض أو تدخل سافر فى شؤون الآخرين.. أظن أن أوباما لن يكون مشغولاً بترسيخ الديمقراطية فى العراق أو أفغانستان أو البحث فى هموم نيكاراجوا أو تحدى فيدل كاسترو، بقدر انشغاله بهموم المواطن الأمريكى وقضايا التعليم والتنمية والأمان والاستقرار والاقتصاد.. والحياة الكريمة الجميلة الهانئة التى يتمناها كل أمريكى. انتخب الأمريكيون باراك أوباما.. وأحدثوا تغييراً مفرطاً فىالسياسة الأمريكية.. يقوده شاب حديث فى كل شىء.. فى تفكيره وفى أمريكيته وفى مسيحيته.. وسيقولون للعالم إن أمريكا لا تعترف بالجذور أو الأصول.. بل تنتخب من سيخدمها مهما كانت جذوره.. ودمتم سالمين. [email protected]