مدرسة كل ما سمعناه عنها هو أنها فى واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالمهاجرين ويسعى لدخولها المئات منهم، إلا أن الحظ غير السعيد جعل الرحلة خلال الإجازات، فلم نتمكن من رؤية النظام الراسى فيها، ولا الحديث مع أعداد كبيرة من الطلبة. ومن الناحية الأخرى التقانا ناظر المدرسة بترحاب شديد وفخر بما فعله بالمدرسة التى كانت نموذجا لمدرسة المشاغبين، لكنه تمكن من الفوز بجائزة الاتحاد الأوروبى للتميز فى تعليم اللغات، من خلال إدارته الحاسمة القائمة على شغل وقت الفراغ بمختلف الألعاب الرياضية والفنون وإخراج طاقة التلاميذ. فكانت النتيجة حضورًا أكثر وحرصًا على الدراسة والتفوق. فى مبنى ضم ملعبا للكرة وقاعات للرقص والرياضات المختلفة وأخرى للموسيقى كانت بداية الدخول إلى عالم مختلف لا تعرفه الدول العربية «على الأقل حاليا»، وليس من المتوقع أن تعرفه فى المستقبل القريب، وهو النظام التعليمى فى السويد، كنموذج لنظام يحترم طاقات الفرد ويحاول استخراجها وتوظيفها لخدمة المجتمع ورفاهيته. تمكنت إدارة المدرسة من الحصول على ترخيص بإنشاء المبنى الذى رفضت الجهات الحكومية الترخيص ببنائه فى البداية بدعوى أن هناك الكثير من الصالات الرياضية، من خلال تغيير اسمه وإضافة بعض الأنشطة الفنية غير الرياضية ليكون صالة للشباب بدلا من صالة رياضية، وهو الأمر الذى كان الناظر يتحدث عنه بفخر شديد، مؤكدا أن البناء تم بعد استطلاع آراء الطلاب وأولياء الأمور حول الأنشطة التى يرغبون فى ممارستها فى أوقات الفراغ. وبعد قليل من دخول المبنى بدأ التلاميذ يتوافدون واحدا تلو الآخر حتى اكتظت الصالة بمائتى ولد وبنت خرجوا من بيوتهم فى العطلة للعب فى المدرسة التى تضم 370 تلميذا، 80%منهم من أبناء المهاجرين الذين يدين أغلبهم بالإسلام، وبالتالى اهتمت المدرسة بنوعية الطعام الذى يقدم لهم، وحرصت على أن يكون من الأطعمة التى لا يحرمها الإسلام واللحوم تكون مذبوحة على الطريقة الإسلامية. كما تحرص على احترام مواقيت الصلاة والسماح للتلاميذ بأدائها خاصة صلاة الجمعة. وتمثل القاعة مكانا لتجمع المسلمين للاحتفال بالعيد وأداء الصلاة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطبق المدرسة برنامجا يسمى «أبناء إبراهيم» يعتمد على أن الديانات الثلاث الرئيسية: «الإسلام والمسيحية واليهودية» تؤمن كلها بنبى الله إبراهيم، ويستهدف تعريف الجميع بالمشترك بين الأديان ليشعر البعض بالتقارب وبعدها حين يتعرفون على الاختلافات يكون انطلاقا من وجود أرضية مشتركة واحترام للآخر. وفى البداية لم يكن المسلمون يرسلون بناتهم إلى قاعة الشباب لكن يوما بعد يوم اختلف الأمر، وأصبح هناك 10 فرق رياضية مختلفة من الفتيات من ديانات مختلفة ومن مذاهب إسلامية مختلفة وتابعين لكنائس مختلفة وكلهن يتعاون سويا ويتآلفن، مؤمنين باحترام بعضهن البعض. وفى القاعة كانت هناك زهرة، الطفلة السويدية سودانية الأصل، تتحدث العربية رغم أنها مولودة فى السويد وكانت فى البداية لا تحب المدرسة لكنها بدأت تعتادها الآن، إلا أن أحد المدرسين «يصرخ» فيها كثيرا وهو المشكلة الوحيدة التى تواجهها. زهرة الطفلة السمراء المحجبة أكدت أنها لا تواجه مشكلات لا بسبب لونها ولا بسبب الحجاب، لكنها على الرغم من ذلك تفضل الأصدقاء المسلمين على غيرهم. أما نور السويدى تركى الأصل فلم يواجه أى مشكلات وفى البداية تحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وأكد أنه يتحدث السويدية والتركية أيضا. وهو الحال نفسه مع عدد آخر من الأطفال فى المدرسة الذين يتحدثون السويدية والإنجليزية ولغة ثالثة غالبا ما تكون العربية أو التركية أو غيرهما من اللغات. وهنا أكد ناظر المدرسة أنه منذ سن الثالثة يبدأ الطفل فى دراسة 3 لغات: السويدية والإنجليزية ولغة ثالثة يختارها، غالبا ما تكون اللغة الأم فى حالة المهاجرين، ووصل عدد اللغات التى يدرسها التلاميذ فى رينكبى إلى 30 لغة مختلفة. وبوصول الأطفال إلى سن الحادية عشرة، يكون بعضهم قد قرأ مئات الكتب بثلاث لغات مختلفة وتعرف على 3 ثقافات، مما يجعلهم أكثر قدرة على التفاعل مع الآخر واحترامه. وتنتهج السويد سياسة المجانية الكاملة للتعليم فكل مدارسها وجامعاتها مجانية تنفق عليها الحكومة، معتبرة أنها بهذا تقوم بأهم استثمار لها وهو الاستثمار فى الطاقات البشرية التى تحتاجها الدولة بشدة ويمكن لكل مجموعة ترغب فى دراسة أى شىء فى الكون سواء فنونًا أو علومًا أو موسيقى، بالإضافة إلى الدراسة العادية أو بعدها تشكيل «دائرة دراسية» تضم عددًا من الأشخاص، وفى هذه الحالة توفر لهم الدولة الدعم المادى والتقنى والمدرسين والأساتذة حرصا على تشجيع الرغبة فى الدراسة والتعلم.