حين يقرر المجتمع المصرى أن يتساءل أو ينتفض، فعادة ما يكون من أجل الدفاع عن الكرامة المصرية فى مباراة كرة قدم، أو مباراة طائفية، وليس عن كرامة الجنود الذين تقتلهم إسرائيل على الحدود، ولا من أجل أرواح ألف شخص ماتوا فى عرض البحر ضحية الإهمال وتأخر فرق الإنقاذ، ولا من أجل وقف نزيف الأرواح على الطرق المصرية حتى باتت تحصد ما يقرب من 10 آلاف قتيل كل عام، ولا من أجل وقف بيع الغاز لإسرائيل بسعر بخس، حتى انقطعت الكهرباء عن المصريين، ولا من أجل مواجهة الفساد، الذى مثل عقد مدينتى الباطل إحدى صوره، ووجدنا كثيرين يقولون إن الشركة «فاتحة بيوت» وإن بطلان العقد «حيطفش» المستثمرين، وليس الفاسدين. لم ينتفض الكثيرون من أجل الإصلاح السياسى والديمقراطى، فهؤلاء ظلوا بالمئات، أما الملايين فبقيت تغط فى نوم عميق، وحين استيقظ الآلاف منهم، كان ذلك من أجل المطالب الفئوية، مخلصين لشعار «العلاوة يا ريس». صحيح أن المجتمع المصرى كثيراً ما تساءل، وفى أحيان أخرى صرخ، ولكن للأسف فى الاتجاه الخطأ، وكان الصراخ الطائفى إحدى أبرز صور هذه التساؤلات، فراج فى المجتمع نمط شديد البؤس والبلادة من أسئلة تتعلق بموقف أصحاب الديانات الأخرى من الإسلام، أو هذا السؤال الساذج والسطحى، الذى يردده كثير من المسلمين حين يقولون: «نحن نعترف بسيدنا عيسى، فلماذا لا تعترفون بسيدنا محمد؟!». إن إجابة هذا السؤال البليد تعنى فى الحقيقة أن اعتراف المسيحيين بنبوة سيدنا محمد يعنى تحولهم إلى الإسلام لأن الأخير هو خاتم الأنبياء، ويمكن للمسلم أن يؤمن بكل الأنبياء ويظل مسلما، ولكن العكس لا يمكن أن يكون صحيحاً. هذا النمط من الأسئلة حكم ردات الفعل الإسلامية على تصريحات الأنبا بيشوى المتطرفة والطائفية، فالرجل بالتأكيد عبّر عما فى داخله من موقف دفين من الإسلام ومن المسلمين «الضيوف»، وهو جزء من حالة جعلت الكنيسة المصرية تعيش بامتياز عصور القرون الوسطى من تعصب وانغلاق غير مسبوقين. ومع ذلك، فإن ردات الفعل الإسلامية، خاصة من كثير من رجال الدين جاءت على نفس الأرضية البليدة، التى يطرح بها المجتمع أسئلته، حين أرادت أن تقنع «بيشوى» بعظمة الإسلام والقرآن الكريم، وأن الآية التى تقول: «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»، وتلك التى تقول: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم» لهما أساس فى القرآن يدحض تساؤل الأنبا بيشوى عما إذا كانتا قد أضيفتا إلى المصحف بعد وفاة النبى أم لا. أخطأ «بيشوى» كالعادة حين دخل فى نقاش حول عقائد الآخرين، وأخطأ كل من تحدث فى هذا الموضوع من المسلمين بغرض «إفحامه» وإقناعه بما هو مستحيل أن يقتنع به، ونسوا السؤال الصحيح حول كيف نضع قانوناً يحرم الإساءة بصورة صريحة أو مبطنة لعقائد ومقدسات الآخرين. إن السؤال الصحيح قانونى ومدنى وليس له علاقة بالعقائد، ولا بأسئلة الأنبا بيشوى البليدة، ولا بإجابات كثير من المسلمين الأكثر بلادة.