كانت الساعة تقترب من الثانية صباحا وأنا أسير على أحد كبارى القاهرة العامرة، الساهرة، التى لا تنام. لم يكن هناك مبرر لهذا الزحام المفاجئ سوى كمين معتاد ومعروف لكل من يسلك شوارع القاهرة وكباريها، وفى هذه الكمائن يكون الهدف هو البحث عن مجرمين أو هاربين، والسؤال دائماً يكون عن رخص القيادة والسيارة للملاكى والبطاقات الخاصة براكب سيارات الأجرة والميكروباص. ولكن ما لفت نظرى فى هذا الكمين أن أمين الشرطة يطلب الرخص ويدور حوار بينه وبين السائق الذى يمد يده واضعاً شيئاً فى يد الأمين على مرأى من ضابط الشرطة الواقف على الضفة الأخرى من الكوبرى، فيعيد إليه رخصه وينسحب. عندما وصلت إلى الأمين نظر إلىّ وطلب منى الرخص بأدب شديد فقدمتها له، فقال لى: «إنت مش رابط الحزام» - قاصدا حزام السيارة طبعا - فقلت له: «هو انتم بتطبقوا قانون المرور كاملاً ولم يبق إلا الحزام تطلبونه فجرا، وبعدين كمين إيه اللى بيسأل عن الحزام؟!»، ارتبك الأمين ونظر إلى رخصتى فعرف أنى صحفى، يعنى غلباوى، فقال لى: «معاك حق»، ومد لى يده بالرخص. لا أريد أن أزيد فى التفاصيل، وأحكى عن مطالبتى له بدفع الغرامة ورفضه الشديد لأنه حتما لا يملك إيصالات سداد، ولكن ليست هذه هى القضية التى أريد مناقشتها وطرحها على السيد حبيب العادلى، وزير الداخلية، بعد أن هدأ الصخب حول قانون المرور، وسكت الكلام حول السير عكس الاتجاه، وشنطة الإسعاف وحزام الأمان. ماذا تبقى من قانون المرور؟! للأسف ما تبقى هو فساد لا يصب إلا فى جيوب حفنة من أمناء الشرطة وبعض الضباط ضعاف النفوس والأخلاق. وأجدنى مختارا أؤكد أننى أحترم الكثير من ضباط الشرطة وأمنائها، أقاربى وأصدقائى، وأعرف أنهم يعانون ويدفعون من سعادتهم وحريتهم وصحتهم من أجل شعورى وشعورك بالأمان، ولكن هذا الإقرار لا يعنى أبداً غض البصر عما يحدث من فساد. «إنت عارف مخالفة عدم ربط الحزام كام؟.. إنت عارف يجب أن أدفعك كام لأنك بتتكلم فى المحمول؟»، هاتان الجملتان وغيرهما، تسمعهما دائماً من الأمين الذى يمسك برخصك فى يديه، وهى مقدمة طبيعية للدفع المباشر، ولم يعد الأمر عشرة جنيهات كما كان سابقاً، فربما وصل الطلب إلى 50 جنيها وكلك نظر. أمين الشرطة الفاسد لا يفعل ذلك إلا بصحبة ضابط فاسد، استغلا تغليظ العقوبات فى القانون الجديد للحفاظ على سلامة المواطنين لزيادة دخليهما، فيما لم يفلح القانون فى منع كوارث الطريق، فنزيف الأسفلت مستمر، وكل يوم تفقد مصر العشرات من أبنائها، بسبب سوء الطرق - وهذا فساد آخر - وفساد الذمم التى تخترق القانون وتجعله فى خدمتها ولمصلحتها فقط. لدينا مئات القوانين، والمشكلة دائما فى التطبيق، ولكن عندما يتعلق الأمر بحماة القانون فإن الواقع يصبح مخيفا، والحل يبدأ من عند السيد، وزير الداخلية، الذى أثق فى أنه سيضع هذا الواقع على مائدة التشريح والدراسة، لنعرف لماذا خمد القانون ونزعت أنيابه لتصب فى جيوب معدودة لا تستحق شرف الانتساب إلى وزارة دورها حماية الشعب من الفاسدين!! [email protected]