يبدو أن الحكومة المصرية بدأت تنهج نهجاً جديداً مع الشعب المصري وهو سياسة الترهيب والتهديد والتي اعتادت أن تمارسها فقط وراء ستار داخل أسوار وزارة الداخلية، فيبدو انها يئست من هذا الشعب الميت الذي لا يحرك ساكناً والذي لا يتذمر أو يغضب لإيذاء أي شيء يضر بمصالحه، فقررت هي أن تقوم بهذا الدور وتتذمر وتغضب وتهدد الشعب الذي لا أعلم إن كان لديها علم أم لا أنها منوطة بخدمته لا باستخدامه، فأصبحنا نرى أشكال جديدة من الوزراء أمثال الدكتور أحمد زكي بدر الذي يعامل التلاميذ والطلاب وأولياء امورهم على أنهم موظفين لديه بالوزارة (حتى لو موظفين لا يستحقوا هذه المعاملة) فنجده بالأمس القريب يعاقب تلميذ بالابتدائية (طفل) ويفصله لمجرد أنه جاء المدرسة بدون كتب! وكأن هذا الطفل على قدر من المسئولية ليعاقب على هذا! أو أنه كتب على هذا التلميذ الشقي (شقي لأنه ولد والتحق بالتعليم في هذه الايام العجفاء) أن يتحمل عبء حمل هذه الكتب الدراسية كل يوم ذهاباً وإياباً وهو لا يفتحها أصلاً داخل الفصل! ثم يأتي بعد ذلك ببدعة الإتاوة على الكتب الخارجية (التي لا أعتقد أن أحدا منا وهو نفسه لم تكن هذه الكتب صاحبة فضل عليه) ليدخل في معركة مع دور النشر لفرض إتاوة عليهم حتى يسمح لهم بطبع وبيع هذه الكتب، هذه المعركة التي لن يكون خاسراً فيها غير الطالب وولي الأمر! في كلا الحالتين سواء رضخت دور النشر أم لم ترضخ الخاسر هو الطالب وولي امره. موافقة دور النشر تعني زيادة رهيبة في أسعار هذه الكتب ان لم تدخل كسلعة اساسية في الأسواق السوداء، وعدم موافقتهم على النشر بالطبع يعطي الضوء الأخضر لمافيا الدروس الخصوصية والملخصات لسن سكاكينهم للتقطيع من لحم أولياء الامور الحي، كما أنه لن يتبقى للطالب الفقير الذي لا تقوى أسرته على أعباء هذه الفواتير إلا أن يكون ضحية وفريسة سهلة لكتب الوزارة المتعفنة المتحللة التي أكل الدهر عليها وشرب والتي تفتقر لأدنى درجة من درجات التواصل مع الطالب وكأنها تتكلم عن مقررات أخرى غير التي يدرسها الطالب (كلنا كنا نكره هذه الكتب، لم يكن يحبها سوى الطلبة التي كانت جريدة الجمهورية تستطلع آرائهم بعد كل امتحان ويؤكدوا أن الأسئلة لم تخرج عن كتاب الوزارة!) وها هو اليوم يطالعنا بآخر ابتكاراته في مجال التربية والتعليم ويفاجئنا بنظريته الجديدة في هذا المجال والذي أعتقد أنه متخصص فقط في الشق الاول منه ألا وهو "التربية"، ولكنه نوع آخر من التربية غير الذي تعودنا عليه، تربية ممكن أن تجد لها مثيل داخل السجون ودور الاحداث! هذه النظرية العبقرية "اللي مش عاوز يتعلم يقعد في بيته" وطبعا كل نظرية ولها نتائج فغداً نرى في وزارة أخرى (المالية مثلاً) "اللي مش عاجبه يخبط دماغه في الحيطة" وبعده "اللي مضايق الباب يفوت جمل" وأمثال هذه الجمل التي ترسخ مبدأ العبد والسيد في هذه البلد التي تقلبت فيه الأحوال وأصبح المحال واقع الحال فصار الخادم سيد متجبر والمخدوم مسود مستضعف. "اللي مش عاوز يتعلم يقعد في بيته" وهل يعتقد أنهم (الطلاب والتلاميذ) يذهبون إلى المدرسة ليتعلموا !! أو هل يعتقد أصلاً أن هناك تعليم داخل المدارس !! أو أنه أصلاً يعتقد أن هذه مدارس !! المدارس الحقيقية داخل البيوت أو داخل المراكز المخصصة للدروس الخصوصية !! أما تلك الأبنية التابعة للوزارة (التي يطلق عليها مدارس) فلا دور حقيقي لها داخل العملية التعليمية سوى أن الطالب يذهب ليؤدي امتحاناته آخر الفصل الدراسي فقط لا غير !!! دائماً وأبداً كنا نرى وزراء التربية والتعليم المتعاقبين يحاولون محاربة الدروس الخصوصية (وبالطبع كلهم خرجوا خاسرين في هذه الحروب ولم يستطع أي منهم التغلب عليها)، لكنه وحده الدكتور أحمد زكي بدر الذي قرر أن يغير هذه السياسة ويتحالف مع الدروس الخصوصية لمحاربة الطلاب والتلاميذ وأولياء أمورهم!!! حقاً هذا هو التغيير الذي ينادي به الحزب الوطني والذي يعد به في الفترة المقبلة تحت شعار "من أجلك أنت" والذي لا أعرف حتى الآن ضمير المخاطب فيه عائد على من (اكيد "أنت" غير عائدة على المواطن المصري). في النهاية لا يسعني غير أن أشكر الدكتور أحمد زكي بدر والحكومة التي ينتمي لها والحزب الذي أتى بهم جميعاً على هذا النجاح الساحق في دحر وقهر هذا الشعب وإغراقه في مشاكله الحياتية أكثر وأكثر حتى ينسى ويتناسى ويُعزل وينعزل عن الحياة السياسية ولا يفكر أبداً في تلك الرفاهية التي يتمتع بها معظم شعوب العالم المتقدمة (الحرية والديمقراطية ونزاهة الانتخابات وتداول السلطة، ...الخ) خصوصاً خلال العاميين الجاري والقادم تحت شعار "من أجلك أنت" نعم هم يفعلون كل هذا "من أجله هو" فهم يخاطبون شخص معين على ما أظن (لكنه قطعاً ليس المواطن المصري، وأغلب الظن أنكم جميعاً تعرفونه). أما الشعب فأعتقد أن هناك شيء اوجهه له، فإنني لو بذلت العمر كله مخاطباً إياه بكل ما في معجم اللغة العربية من كلمات ومفردات تحث على الاستنفار والاستنهاض والثورة على الظلم والمطالبة بالحقوق ومحاربة الفساد وعدم الرضوخ والخنوع ... الخ، فلن يستجيب !! فلقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي!!!!!