فى فبراير الماضى كتبت فى هذا المكان عن مغزى حركة حفل الشاى اليمينية الأمريكية. وقتها قلت إنه «رغم أن الإعلام الأمريكى يعتبر الحركة تحدياً خطيراً لأوباما وحزبه فى أول انتخابات مقبلة، فإن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو ما تمثله الحركة من تحد أخطر يواجه الحزب الجمهورى- حزب اليمين فى أمريكا. فإحدى أهم مشكلات السياسة الأمريكية طوال العقدين الأخيرين كانت أن تيار الوسط المعتدل داخل الحزب الجمهورى قد تعرض بانتظام للتهميش، بينما هيمن اليمين بفصائله المختلفة على مقدرات الحزب. وفى حركة الشاى من القوى ما قد يدفع مزيدا فى هذا الاتجاه نفسه.. ومن الوارد أن تهيمن القوى الأكثر تطرفا بزعامة سارة بالين على مقدرات الحزب وربما مقاليد السلطة أيضا بفعل الهستيريا السياسية التى عادة ما تصيب أمريكا وقت الأزمات». وقد أثبتت الأيام دقة هذا التحليل. فطوال الأسابيع القليلة الماضية، كان الشغل الشاغل للإعلام هو التعليق على نتائج انتخابات تمهيدية فى عدة ولايات استطاع فيها مرشحون جمهوريون، تدعمهم حركة حفل الشاى، هزيمة جمهوريين آخرين أقل يمينية. وقد أدى ذلك إلى موجة من القلق داخل الحزب الجمهورى نفسه وتكهنات فى الإعلام تتوقع أن يعجز الحزب - بمثل تلك الوجوه المتطرفة فى يمينيتها- عن هزيمة الديمقراطيين فى نوفمبر وانتزاع أغلبية مقاعد الكونجرس. لكن احتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية يظل محكوماً باعتبارات عدة أهمها على الإطلاق أن يحدث استنفار للناخب الديمقراطى والمستقل للإدلاء بصوته يوم الاقتراع العام، فالديمقراطيون المحبطون من أداء أوباما وتنازلاته المستمرة لليمين، والمستقلون الذين يثير قلقهم تطرف رموز حركة حفل الشاى إذا ما قبعوا فى بيوتهم يوم الانتخابات ستحسم أصوات الجمهوريين النتيجة. لكن فى ظل الأجواء العامة التى تعيشها أمريكا اليوم قد يكون الإنقاذ الحقيقى لمستقبل أوباما السياسى هو أن يخسر حزبه الأغلبية فى الكونجرس وليس العكس! فتلك الخسارة قد تكون السبيل الوحيد لكسر حدة التطرف اليمينى، وفتح الطريق أمام فترة رئاسية ثانية. وسواء فاز الجمهوريون بالأغلبية أو بقوا فى مقاعد الأقلية فالأرجح أن الحزب سيكون أكثر يمينية مما هو عليه الآن. فحتى الجمهوريون الذين لم يحصلوا على مقاعدهم بدعم من حركة حفل الشاى سيكونون أسرى للحالة العامة التى خلقتها الحركة. فقد ثبت لهؤلاء أن تلك الحركة القاعدية قادرة على هزيمة الجمهوريين الذين يتخذون مواقف أقل يمينية. ومن هنا، فإذا ظل الجمهوريون فى مقاعد الأقلية فإنهم سيكونون أكثر تشدداً- مما هم عليه الآن بالفعل- فى الموافقة على أى من مشروعات أوباما وأقل رغبة فى التوصل معه إلى أى حلول توفيقية لئلا تتم الإطاحة بهم فى أول انتخابات قادمة، الأمر الذى يعنى شللاً سياسياً يدفع ثمنه عادة من هم فى مقاعد الأغلبية، أى حزب أوباما. أما إذا فاز الجمهوريون بمقاعد الأغلبية فى نوفمبر المقبل، فسيعانى الرئيس تعطيلاً لأجندته ولكن النتيجة ستختلف. فلن يكون بإمكان الجمهوريين وقتها مجرد توجيه الانتقادات أو تعطيل العمل كما فعلوا طوال العامين الأخيرين. فسوف يكون عليهم، وهم فى موقع الحكم، أن يطرحوا البدائل وينفذوها. ولأن تلك البدائل ستكون مغالية فى يمينيتها وكثير منها مسؤول أصلا عن أزمة أمريكا الحالية، فإن طرحها للتنفيذ- إذا ما استثمره أوباما بذكاء- قد يؤدى لإثارة ذعر غالبية الناخبين واستنفارهم، الأمر الذى قد يمثل بداية انكسار التطرف اليمينى، ويعيد الدفة من جديد ليد أوباما مع حلول عام 2012.