على مرتبة إسفنجية ترتفع قليلاً عن الأرض، رقدت شادية عثمان «50 سنة» فى انتظار إجراء الإسعافات الأولية لها فى مستشفى العياط المركزى، شادية هى إحدى ضحايا تصادم قطارى العياط الذى وقع أمس الأول، كانت فى طريقها لمدينة الواسطى حيث تسكن قادمة وابنتها وشقيقتها من زيارة لأحد أقاربهن فى القاهرة، غير أن رحلتهن لم تمض كما يشتهون إذ اصطدم بمؤخرة قطارهن قطار آخر قادماً أيضاً من القاهرة لينتهى بهن المطاف داخل مستشفى العياط. تعالى صوت شادية صارخة من الألم، يجاوبه صوت ابنتها سوزان عطية «24 سنة» والتى رقدت إلى جوارها داخل حجرة عارية إلا من سريرين خاليين من الفرش، راح الموجودون يحاولون تهدئة سوزان وإفهامها أن أمها ترقد على بعد خطوات منها، إلا أن حالة عصبية انتابت الفتاة التى ظلت تنادى على أمها بصوت مرتفع طالبة منها أن تجيبها. على أن الأوامر التى صدرت للمسؤولين هناك بنقل الجرحى والمصابين من مستشفى العياط إلى مستشفى الهرم ومعهد ناصر، أنقذت الفتاة وأمها من حالة متردية يعانى منها المستشفى المركزى بالعياط، حيث لا أسرة، ولا مستلزمات طبية، ولا أطباء مقيمين، إلى جانب حالة من الفوضى سادت المستشفى بتجمع عدد كبير من أهالى المنطقة الذين تزاحموا على أبوابه عارضين خدماتهم فى التبرع بالدم، ومساعدة الجرحى. وفى حين اختفى مدير المستشفى تماماً، اشتبك أحد الأهالى مع طبيب داخل المستشفى، بسبب ما وصفه ب«الإهمال»، من ترك المرضى دون إسعافهم حتى بالإسعافات الأولى، ومن المستشفى بدأت سيارات الإسعاف تتقاطر حاملة المصابين إلى القاهرة لمسافة تقترب من 100 كيلومتر، قطعتها السيارات فى شبه ظلام بدا أن الطريق الزراعى يعانى منه، فلا توجد أعمدة إنارة، والطريق نفسه يضيق فى بعض المواضع حتى يتعذر مرور سيارتين متجاورتين عليه، بالإضافة إلى وجود التريللات الكبيرة بكثرة، عطلت السير فى بعض الأماكن. من مستشفى العياط إلى مستشفى الهرم أنهى 3 مصابون فقط رحلتهم، حيث استقبلهم المستشفى فى الحادية عشرة مساء تقريباً حسب ما صرح به الدكتور مصطفى محمد، مدير المستشفى، للحصول على العلاج المناسب، وهم رضا عبدالجواد، وعبدالتواب أحمد، وأبوحواش رجب، وقد حصلوا على الرعاية الطبية اللازمة، غير أن حالتهم غير المستقرة دفعت الدكتور حمدى نبوى، مدير الطوارئ بالمستشفى إلى رفض استجواب النيابة لهم، قائلاً إن «حالتهم لا تسمح»، حيث إن أحدهم أجريت له عملية جراحية، والثانى دخل الرعاية المركزة، والأخير تم عرضه على أطباء الأسنان المتخصصين بسبب وجود كسور فى فكه السفلى. وقال نبوى إن المستشفى أعلن حالة الطوارئ القصوى عقب وقوع الحادث، واتصال وزارة الصحة بإدارة الطوارئ بالمستشفى، فتم تجهيز ما يقرب من 40 سريراً، واستدعاء 15 طبيباً فى جميع التخصصات. ومع اقتراب عقارب الساعة من الثانية بعد منتصف الليل كان مستشفى معهد ناصر يفتح أبوابه لاستقبال أهالى ضحايا التصادم، الذين جاءوا للبحث عن ذويهم يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، يسألون عن اسم مصابهم على البوابة، ويتطلعون بعيون قلقة فى اتجاه موظف الاستقبال الذى يقرر مصير قريبهم بكلمة منه، إما «موجود» فتنبسط الأسارير إلى حين، وإما «غير موجود» فتلعب بهم الوساوس ويستعدون لرحلة جديدة إلى مستشفى جديد، أو إلى مشرحة زينهم التى استقبلت حالات الوفاة. فمن الواسطى جاء ما يقرب من 15 فرداً للبحث عن نادية سيد صبحى التى كانت تستقل القطار فى طريقها إلى بلدتها، جاء ذووها وأقاربها إلى مستشفى معهد ناصر بعد أن قطعوا شوطاً كبيراً فى البحث عنها، بدأ كما يقول ابن شقيقتها فى السابعة مساء من مستشفى الواسطى القريبة من موقع الحادث مروراً بمستشفى العياط ف«أم المصريين» ثم قصر العينى، فمستشفى المنيل، حتى انتهى بهم المطاف داخل مستشفى معهد ناصر، غير أنهم لم يجدوها فاستعدوا لشوط جديد فى الرحلة الطويلة. وحسب تصريحات نائب مدير مستشفى معهد ناصر، فإن المستشفى أعلن حالة الطوارئ قبل أن يستقبل 18 من المصابين، تراوحت حالاتهم بين إجراء عملية جراحية لأحدهم، وتثبيت كتف آخر، وإسعافات أولية للباقين.