قبل أن تجمعنى دروب الحياة بالأستاذ أسامة سرايا، رئيس تحرير صحيفة الأهرام، كنت أشعر أن بعض ما يكتبه عيب لا يليق به، وبعد أن التقيت به شخصيا واستمعت إلى وجهات نظره فى الكون والحياة، وصلت إلى قناعة أن مواصلة القراءة له عيب لا يليق بى. أعترف أننى قاطعت كقارئ صحيفة «الأهرام» بعد أن قذفت فى وجهى بذلك العنوان المؤسف الذى نشرته يوم ميلاد الرئيس «يوم أن ولدت مصر من جديد»، لكننى بعد فترة قصيرة شعرت أن ذلك القرار سيكون تخلياً عن صديق قديم فى وقت زنقة أعلم أنها ستزول، وعدت لقراءة الأهرام وفاء لمن بقى على «قيد الحياء» من كتابها المتميزين، وإعلانا عن فشلى فى التخلص من إدمان أصدق وأمهر صفحاتها، صفحة الوفيات. فقط قررت حماية المناطق القابلة للانفجار فى جسدى، والاقتداء بالآباء الخائفين على أبنائهم من الانحراف، وذلك بتشفير قائمة الكُتّاب «العورة» الذين لا يجدى نفعاً معهم سوى غض البصر إلى أن يقيض الله لنا من يميط أذاهم عن الطريق. يوم الجمعة الماضى وأثناء عبورى الحذر لصفحات الأهرام الشاسعة، وقعت على صورة الأستاذ سرايا التى تتصدر «حتة الأرض» التى يضع يده عليها كل جمعة، أعترف أن ابتسامته المنبسطة جوّه الصورة شدتنى بغموضها الذى فاق غموض ابتسامة الموناليزا، وجعلتنى أسرح فى مغزاها، هل هى ابتسامة إشفاق على القراء الذين قادهم حظهم العثر إلى مقالته، أم هى ابتسامة اغتباط لأن ربنا فتحها على جنابه من وسع وصار قادرًا على وضع صورته فى هذه الحتة العالية، جعلنى تدافع الأفكار أخبط فى «عمود ضلمة» مزروع أسفل صورة الأستاذ سرايا، توقفت لأستبين ما ارتطمت به، فقرأت الفقرة الآتية مكتوبة بالبنط الحيّانى «وليتذكر من ينكرون الحقائق أنهم يستفيدون من الحرية التى حصلوا عليها بحكمة الرئيس مبارك وأن يتوقفوا عن إهالة التراب على كل شىء كعادتهم فليس بوسعهم أو بمقدور غيرهم أن ينكروا الحقائق على الأرض فى ربوع مصر كلها»، أنهيت قراءة الفقرة فاكتشفت أن ابتسامة الأستاذ سرايا تشبه «تيبيكال» ابتسامة القديرة نجمة إبراهيم فى فيلم (ريا وسكينة) فور وقوع ضحية جديدة بين يديها، كدت أضحك وأنا أتخيل الأستاذ سرايا وهو يفرك يديه فرحاً بينما تتحول ابتسامته إلى ضحكة متقطعة شريرة يعقبها قوله «هنريحوك يا قارئ»، لكن نبرة التحذير القاطعة التى حملتها الفقرة المقتطعة بعناية من مقال الأستاذ سرايا جعلتنى أمسك الضحك وأشياء أخرى لأتأمل فى مغزى الفقرة «الغميق». قلت فى عقل بالى: لهذه الفقرة معنيان لا ثالث لهما، إما أن الأستاذ سرايا بحكم قربه من «السراى» علم أن هناك يقيناً رسمياً بأن «الحكاية زادت على حدها والفرح خلاص لازم ينفضّ، وكفاية عليكو لحد كده ياكافرين النعمة». أو أنه قرر أن يتطوع بتهديده نيابة عن أولى الأمر، ولأنه على ما يبدو لم يأخذ فى المدرسة حكاية الدبة التى آذت صاحبها، فهو لم يأخذ باله أن ما كتبه يحمل إدانة صريحة لحكم الرئيس مبارك الذى لم يتفق أغلب معارضيه على إنجاز له، سوى توسيعه لهامش الحرية الصحفية والإعلامية، فإذا بسرايا ينسف هذا الإنجاز ويصوره على أنه منحة مؤقتة قابلة للرد فى أى وقت، مؤكداً ما تقوله القلة المندسة التى ترى أن حرية الصحافة والإعلام فى عهد مبارك ليست سوى وهم كبير، لأنها معلقة فى الهواء بفعل رغبة الحاكم وليست راسخة فى الأرض بقوة قوانين تجعلها حقاً لا منحة، بدليل أن هذه الحرية تسمح للكاتب أن يتجاوز كل الخطوط الحمراء، بينما لو قرأ راكب فى المترو ما ينشر فى الصحف بصوت عال لأُنزل بغير المحطة التى كان يقصدها. قلت لنفسى: هل يدرك الأستاذ سرايا إلى أى حد أذى الرئيس مبارك بما كتبه؟ هل هو واع لما يكتبه؟ أم هل يكون سر ابتسامته الغامضة أنه يخفى بداخله معارضاً عتيداً يسرب معارضته للرئيس مبارك بكل هذا القدر من الدهاء والمكر ومن غير ما نأخذ بالنا؟. ياااه. تفتكروا؟ * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]