بعد الفشل المتكرر فى الحصول على ما يسمى «صك الغفران الحمساوى» المتمثل فى التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، بدأت السلطة الفلسطينية وحركة فتح، دراسة خياراتهما لمرحلة ما بعد فشل المصالحة الوطنية ويأتى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى موعده الدستورى الذى يوافق الخامس والعشرين من يناير المقبل فى مقدمة الخيارات. ويبدو أن حركة فتح حسمت خيارها بالذهاب إلى الانتخابات فى موعدها فهى ترى أنها لن تبقى رهينة لحركة حماس معتبرة أن صندوق الاقتراع هو الميدان لمواجهة حماس، ويبدو كذلك أن الرئيس محمود عباس يبحث فى الخيار نفسه خاصة أنه كان قد استعد فى خطاباته السابقة للجوء إلى الانتخابات دون حدوث مصالحة وطنية خشية أن تجرى الانتخابات فى الضفة الغربية دون قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حماس، رغم إشارته مؤخرًا إلى عزمه الذهاب إلى انتخابات عامة حتى لو منعت حماس إجراءها فى غزة. المراقبون يرون فى تصريحات عباس هذه وسيلة ضغط على حماس لقبول الورقة المصرية لكن أياً كانت نوايا الرئيس أبومازن فإن تياراً متنامياً داخل حركة فتح يطالب بإجراء الانتخابات حتى لو منعت حماس إجراءها فى القطاع، ومن وجهة نظر هؤلاء فإن لديهم قناعة تامة بأن حماس لا تريد المصالحة، وأنها تمارس نفس الأسلوب الإسرائيلى بإغراق الجميع فى التفاصيل وعدم التوصل إلى نتيجة فى المحصلة، وباتت لديهم قناعة راسخة بأن حماس لا يهمها سوى إقامة إمارتها فى غزة. ومن هنا أيضا جاء موقف عباس متسلحاً بالموقف المصرى الذى مل من مماطلة حماس فأعلن بعد لقائه الأخير بالرئيس المصرى حسنى مبارك فى القاهرة أن السلطة ملزمة بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى موعدها الدستورى، مطلع العام المقبل، ودعا الجامعة العربية إلى أن تقول كلمتها عن الطرف المعطل للحوار. وبرر «عباس» ذلك بأنه لا يريد أن يخذل أكثر من ذلك الجهود المصرية المصممة على التخفيف من معاناة الشعب الفلسطينى واستعادة وحدته الوطنية لكن هذه الجهود تصطدم بمماطلات ومراوغات من حركة حماس، لذا فإن الرئيس عباس سيصدر مرسوماً بإجراء الانتخابات قبل الرابع والعشرين من يناير المقبل ومصر لا تعارض ذلك وهذا هو المهم. غير أن التجارب السابقة فى التجاذبات والتحاور الفلسطينى أثبتت أنه لا يوجد موعد مقدس وأنه ربما تتغير الظروف فى اللحظات الأخيرة إذا ما تغير المناخ السياسى بين الأطراف، خاصة أن باقى الفصائل لديها تحفظاتها على طرفى النزاع وعلى إجراء الانتخابات قبل المصالحة واعتبرت أن الورقة المصرية للمصالحة وصلت إلى طريق مسدود نتيجة التفاف حركتى فتح وحماس على الحوار الوطنى الشامل وتعطيله منذ شهر مارس الماضى وحتى الآن، وأن هذا التراجع والارتداد إلى الخلف جاء نتيجة للبحث عن توافقات محاصصة ثنائية لتقاسم السلطة والمال والنفوذ بين فتح وحماس، مما أدى إلى تعطيل توقيع اتفاق الوفاق الوطنى. ويفهم من هذا الموقف المعلن للفصائل الفلسطينية وعلى رأسها الجبهتان الديمقراطية والشعبية عدم رضاها عن إجراء الانتخابات فى ضوء هذا الانقسام وعدم إنجاز اتفاق المصالحة، وفى ذلك معضلة أخرى ستواجه الانتخابات فيما لو تم إقرارها فى ميعادها المحدد. وهناك أمر آخر سيكون له أثر بالغ فيما لو جرت الانتخابات فى موعدها هو تراجع شعبية الرئيس عباس إلى 12.1٪ مقابل 17.8٪ حسب استطلاع أجرى مؤخراً، رغم أن شعبية حركة فتح التى يتزعمها فاقت شعبية منافستها حماس فى تطور عُزى إلى الأزمة التى سببتها موافقة السلطة على إرجاء التصويت على تقرير «جولدستون» الذى يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، إذ بين الاستطلاع أن عباس سيحصل على 16.8٪ من الأصوات فى حال أجريت الانتخابات عام 2010 أى أكثر بقليل مما سيحصل عليه رئيس الحكومة المقالة القيادى فى حركة حماس إسماعيل هنية، فهل تجرى الانتخابات فى موعدها رغم كل هذه المخاطر التى تحيط بالفلسطينيين على اختلاف مذاهبهم السياسية، أم يكون التراجع سيد الموقف كما حدث فى المرات السابقة؟!