فى 25 مارس 1909 شهدت حديقة الأزبكية بالقاهرة أول مؤتمر جماهيرى من نوعه فى تاريخ المجتمع المصرى الحديث فقد احتشد «الفعلة» من عمال البناء والنقش والنجارة والحدادة والسباكة والبلاط للبحث عن حل لمشكلة البطالة التى سادت حركة البناء بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التى اجتاحت البلاد ودفعت بالطبقات الكادحة إلى مزيد من الفقر وترددت لأول مرة كلمة «الاشتراكية» حسب كتاب نظرات فى تاريخ مصر للكاتب جمال بدوى، وكان طرح الحل الاشتراكى فى هذا المؤتمر دلالة على انتقاله من مجال الفكر إلى الواقع العملى كذلك طرح رؤساء العمال اقتراحا بتشكيل لجنة من بينهم مهمتها «تدبير أعمال للعاطلين» فكان ذلك إرهاصا بظهور أول تنظيم للعمال وانتهى المؤتمر بخروج العمال من حديقة الأزبكية فى تظاهرة طافت شوارع القاهرة وهى تهتف «جعانين يا أفندينا». فلما زادت حدة المشاكل مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وسلبية الحكومة لم يجد العمال وسيلة للتعبير عن مطالبهم سوى الإضراب وكان من شأن هذه الفورة العمالية الوليدة أن تطرح فكرة إنشاء حزب للعمال فتشجع شاب من أبناء التجار اسمه السيد محمد وأعلن قيام «حزب العمال بالقطر المصرى والسودان» ووصفه بأنه «جامعة عمومية تجمع أواصرها كل طوائف ونقابات العمال وتكون هذه الجامعة عاصمة أدبية اجتماعية لحقوقهم» ولم يقدم الرجل برنامجا تفصيليا فقد تعرض الحزب لحملة كتمت أنفاسه والتى لم تأت من جانب السلطة ولكن من جانب القيادات العمالية فقد استنكر بعض زعماء العمال أن يتصدر أحد أبناء التجار قيادة الحركة العمالية. ويحكى لنا الدكتور عبدالعزيز رفاعى فى كتابه «الديمقراطية والأحزاب السياسية» قصة حزب آخر اسمه «حزب المقاصد المشتركة» وتبدأ قصته بدعوة وجهها محمد أحمد الحسن فى صحيفة الأهرام يوم 11 يوليو 1908 إلى أرباب المهن والصناع اليدويين لسماع خطبة عمومية سيلقيها سيادته فى حديقة الأزبكية موضوعها وجوب انضمام أصحاب الحرف المصرية والأجنبية على اختلاف طبقاتها إلى حزب واحد مشترك ليتكون منه جماعة قوية مسموعة الرأى فى الأعمال النافعة وإقامة جريدة «الوضاح» للتعبير عن حال الحزب، وكان العمل الوحيد الذى قام به حزب المقاصد المشتركة هو إصدار بيان احتجاج على حكومة بطرس باشا غالى رئيس الوزراء آنذاك بسبب إصدارها قانون المطبوعات المقيد للحريات الصحفية فى 25 مارس 1909، ثم نقرأ عن حزب ثالث للعمال عن طريق بيان منشور فى الأهرام يوم 16 يوليو 1909 بتوقيع مجموعة «أبوعثمان» يقول فيه تحت عنوان «حزب العمال» كلنا يعلم مركز العمال فى أوروبا والعامل هناك لا فرق بينه وبين القاضى والمحامى وعلى هذا فقد قامت مجموعة من خيار العمال المصريين بتأسيس حزب باسمهم ثم انعقدت الجلسة الأولى والتى حضرها جمع كبير من العمال والوجهاء فانتخب السيد أفندى على مديرا لها ولكن كل هذه الإرهاصات لم يكتب لها البقاء بسبب خلو الساحة العمالية من وجود قيادات بالطبقة العمالية كذلك نقص التطور الطبقى لدى العمال المصريين فى مطلع القرن فلم يبلغ بهم الأمر حد اعتبار أنفسهم طبقة ذات سمات مميزة لها مصالح تتناقض مع مصالح غيرها من الطبقات.