بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 17 يونيو بالصاغة    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    غارات إسرائيلية تستهدف مفاعل نطنز النووي في إيران    إعلام عبري: سقوط صاروخ إيراني جنوب إسرائيل وجيش الاحتلال يعلن انتهاء الهجوم    أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    برس تي في: طائراتا إف-14 الإيرانيتين التي تزعم إسرائيل تدميرهما كانتا مزيفتين    وزير الدفاع الأمريكي: تعزيزات عسكرية إضافية إلى الشرق الأوسط لحماية إسرائيل    وكالة أنباء فارس: مقتل موظفة بهيئة الإذاعة والتلفزيون بعد هجوم إسرائيل أمس    بوكا جونيور يتقدم على بنفيكا بهدفين في الشوط الأول بمنافسات المجموعة الثالثة    شاهد تحرك الأهلى لخوض المران الأول فى نيوجيرسى استعدادا لمواجهة بالميراس    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    بالأسماء.. رحيل خماسي الزمالك (رسميًا)    إعلام إيراني: دوي انفجارات وتفعيل أنظمة الدفاع الجوي في حي بيروزي شرقي طهران    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    حرب إسرائيل وإيران.. البيئة والصحة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية والنيران النووية    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    ماريسكا: الفوز على لوس أنجلوس رائع.. وديلاب يعرف أسلوب لعبنا    قناة الأهلي: عقوبة تريزيجيه خصم نسبة من عقده    أكسيوس: الولايات المتحدة تبلغ حلفاءها أنها لن تنضم إلى الحرب ما لم تستهدف إيران الأمريكيين    ترامب يحذّر: «إيران لن تفوز» والتهدئة الفورية أفضل خيار قبل فوات الأوان    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    مباحث الفيوم تتمكن من فك لغز العثور على جثة شاب مقتول بطلق ناري    ضبط 70 شيكارة دقيق المدعم قبل بيعها بالسوق السوداء بميت غمر في الدقهلية    محاكمة تشكيل عصابي متهم بسرقة المواطنين بالإكراه ببولاق أبو العلا اليوم    العثور على جثة مسنّة متحللة داخل شقتها في الزقازيق    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    تركى آل الشيخ يزور الزعيم عادل إمام ويعلق: بصحة جيدة وشربت عنده أحلى كوباية شاى    فاروق حسني يكشف تفاصيل مثيرة بشأن المتحف المصري الكبير وموقف غريب لمبارك    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    النحاس: زيزو منحنا انطباع أنه لن يستمر في الملعب أكثر من 60 دقيقة    طاقم حكام تشيلي يدير مباراة إنتر ميامي وبورتو بمونديال الأندية    تخصصات (أطفال ونساء وباطنة) الأشعة والعلاج بالمجان.. ضمن قافلة تنموية بقرية غزالة في الدقهلية    أخبار 24 ساعة.. الوزراء: الحكومة ملتزمة بعدم رفع أسعار الوقود حتى أكتوبر    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    هل تتأثر الزراعة والمحاصيل الصيفية بمصر مع استمرار الحرب؟.. الجبهة الوطنية تكشف التفاصيل    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية الثانية للنظام الجديد والاقتصاد والاحصاء القديم.. اليوم    مسئول بالغرف التجارية: التوترات الجيوسياسية تلقي بظلالها على أسعار الغذاء.. والمخزون الاستراتيجي مطمئن    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    حصاد بنك المعرفة للعام المالي 2024/2025: تحول إلى منصة إقليمية رائدة    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    محافظ الإسماعيلية يتفقد مستشفى القنطرة شرق المركزي والمركز التكنولوجي (صور)    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يدشنان القافلة الطبية المتكاملة بمنشأة سلطان    الصحة: لا نعاني من أزمة في أعداد الأطباء.. وبدء تحسين أوضاع الكوادر الطبية منذ 2014    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: وعى النخبة المصرية لماذا يتأخر؟
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 10 - 2009

كنت فى مدينة أطلانطا فى ولاية جورجيا الجنوبية بالولايات الأمريكية المتحدة حين ألقى باراك أوباما كلمته فى القاهرة يوم 4 يونيو 2009، استمعت إليه جيدا عبر شاشة التليفزيون، سمعته من قبل مرارا خلال حملته الانتخابية على مدى عشرين شهرا حتى نجح ودخل البيت الأبيض، وتأملت جورج بوش الرئيس الأمريكى السابق يستقل طائرته الخاصة مع زوجته لورا بوش ويرحلان بعيدا بعيدا عن كرسى العرش، اختفت بهما الطائرة فى الجو، لم يبق منها إلا نقطة سوداء داخل السحب، لم تلبث أن ذابت واختفت تماما دون أثر.
تنفست الصعداء كأنما كان جورج بوش وزوجته جاثمان فوق صدرى، كأنما باراك أوباما سيكون رئيسا أمريكيا مختلفا، قرأت كتبه كلها التى حكى فيها عن حياته، عن أمه وطفولته، عن إيمانه بالعدل والحرية والصدق، الأمل فى تغيير أمريكا والعالم، إنهاء عقلية الحرب وليس الحرب فقط، إخلاء الكون من السلاح النووى، تذويب الفوارق بين الطبقات، ربما لم يقل أوباما هذه العبارة نفسها، لكن أفكاره كان لها المعنى ذاته فى كتبه وخطبه، يكاد يكون ضد النظام الطبقى الأبوى الدينى، كاريزما شخصيته ذكرتنى بجمال عبدالناصر فى ربيع عمرى، كيف تبخر الأمل ليس فى تذويب الفوارق بين الطبقات فحسب، بل فى تحرر بلادنا من قبضة الاستعمار الجديد، والإمبريالية والصهيونية، والثالوث المزمن: «الفقر، المرض، الجهل»، المتوارث من العهود العبودية تحت حكم الملوك والسلاطين.
بعد أن سمعت كلمة أوباما التى ألقاها فوق منبر جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009 أدركت أنه لن يكون مختلفا عن أى رئيس أمريكى سابق، سواء فى تذويب الفوارق بين الطبقات داخل أمريكا، أو فى سياسته الخارجية تجاه الاستعمار أو الإمبريالية أو الصهيونية، فى صباح اليوم التالى 5 يونيو أمسكت القلم وكتبت مقالا، تم نشره حينئذ باللغتين العربية والإنجليزية، كان تحليلا لكلمة أوباما فى القاهرة، ملخصه أن أوباما وإن كان يختلف فى شخصيته عن جورج بوش إلا أن السياسة الأمريكية لم تختلف، تجاه إسرائيل بالذات، والمصالح الإسرائيلية - الأمريكية المشتركة، لم يكشف عنها أوباما فى كلمته بالقاهرة، أخفاها تحت عبارات مراوغة غامضة، عن علاقات أبدية تاريخية ثقافية تربط أمريكا بإسرائيل.
أى علاقات تاريخية ثقافية بين أمريكا وإسرائيل؟ اللهم إلا أن الدولتين قامتا على إبادة السكان الأصليين بالقوة المسلحة، الهنود الحمر والشعب الفلسطينى، واستخدام الكتاب المقدس للتغطية على الغزو الاستعمارى للشعوب.
يتمتع أوباما بذكاء ولباقة أكثر من جورج بوش، ما يسمى كاريزما، قدرة أكثر على البلاغة وإقناع الجماهير، تلقائية أكثر وتدريب على العفوية فى إلقاء الخطب، الانتقال السهل الممتنع من المبادئ إلى المصالح، من الحريات الدينية والروحانية إلى حرية السوق والتجارة، من ذرف الدموع الحارة على ضحايا القرن الماضى فى ألمانيا النازية، إلى دموع التماسيح الباردة، على ضحايا النازية الإسرائيلية من الشعب الفلسطينى، من التغزل فى حجاب المرأة المسلمة تحت اسم حرية الأديان والحرية الشخصية، إلى الإشادة بديمقراطية الحكام العرب، و انفتاح الأسواق الإسلامية على البضائع الأمريكية، تخدرت النخبة المصرية بالبلاغة والكلام الرقيق والحركات الرشيقة، والجسم الرياضى الممشوق للشاب الأمريكى الأسمر، الجذاب للنساء والرجال على السواء.
تحدث أوباما عن خطر البرنامج النووى فى إيران، رغم أنه برنامج هزيل إلى جوار الترسانة النووية الإسرائيلية، لم يذكر كلمة واحدة عن قوة إسرائيل النووية فى العالم العربى والأفريقى، لم يتكلم عن خطورة السلاح النووى الأمريكى، أو البريطانى أو الفرنسى أو غيرها من الدول الاستعمارية الكبرى فى أوروبا، لا تتردد أى دولة منها فى غزو أى بلد من أجل مصالحها الاقتصادية والسياسية، كيف تعاونت جيوش ثلاثين دولة منها لضرب العراق تحت اسم الديمقراطية والحضارة وحقوق الإنسان بل حقوق المرأة أيضا، لم ترد كلمة البترول على لسان أوباما، ردد الأكذوبة فى كلمته بالقاهرة، قال أمريكا لم يكن لها مصالح اقتصادية فى العراق، مرت هذه العبارة على النخبة المصرية مرور الكرام، ألم يتمرسوا على اللغة الاستعمارية المزدوجة؟
ألم يشهدوا طوال عمرهم خضوع الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية للقيم الرأسمالية؟ الازدواجية والكيل بمكيالين والمراوغة فى استخدام اللغة لخداع الشعوب الساذجة، الغارقة فى ثالوث الجهل والفقر والمرض، ورابعها التدين السياسى، تحجيب العقول تحت اسم الطاعة لله وأولى الأمر، الخضوع للمصير المحتوم المكتوب على الجبين، تغطية وجوه النساء تحت اسم الحرية الشخصية أو الهوية الدينية أو الحفاظ على الأخلاق والجذور والتراث.
ارتدت هيلارى كلينتون الحجاب تملقا للتيارات الإسلامية الحاكمة، أملا فى المزيد من الانفتاح على البضائع الأمريكية - الإسرائيلية فى الأسواق المصرية، والعربية والإسلامية، أصبحت هيلارى بطلة حرية الأديان، نالت الإعجاب والتقدير، أشادت بها الصحف العربية والإسلامية.
أكثر ما أدهشنى سماع دوى التصفيق رغم كونى فى قارة أخرى، وراء البحار والمحيط، صفق ألفان من النخبة المصرية المحتشدة فى قاعة جامعة القاهرة ثلاثين مرة، لخطبة أوباما التى استغرقت خمسين دقيقة، تحمس الكثيرون منهم لترويج وعوده المراوغة، ومنها إيقاف بناء المستوطنات الإسرائيلية الجديدة فوق الأراضى الفلسطينية، تلاعب أوباما بكلمة المستوطنات «الجديدة»، وكان يعلم بالمشروع الإسرائيلى المراوغ لغويا، المسمى: النمو الطبيعى للمستوطنات «القديمة»، مما يعنى بناء مستوطنات «جديدة» تحت اسم «نمو» المستوطنات القديمة، الدهاء الاستعمارى اللغوى المعهود منذ القرن التاسع عشر، ورثته أمريكا وإسرائيل عن الإمبراطورية البريطانية، يكاد يفهمه رجل الشارع من كثرة التكرار، كيف غاب عن عقول النخبة المصرية التى تقود الرأى العام فى بلادنا؟
خرج أوباما من مصر يوم 4 يونيو 2009 بطلا محررا لكل المقهورين، ومنهم العمال المصريون الذين انتشروا فى شوارع القاهرة، بعد إقلاع طائرته بدقائق، يقتلعون الأشجار الصناعية وقصارى الزرع والزهور، غرسوها قبل هبوط طائرته على جانبى الطرق التى مر بها موكبه، وكان الشعب المصرى قد صدرت له الأوامر الصارمة بالبقاء فى البيوت، وراء الأبواب والنوافذ المغلقة، لا يسمح له بمتعة التفرج على البطل الأمريكى العظيم محرر فلسطين.
عدت إلى مصر فى سبتمبر 2009، بعد خطبة أوباما فى القاهرة بأربعة شهور، وفى شهر أكتوبر، بعد خمسة شهور من الخطبة الأوباماوية، قرأت فى الصحف ما أدهشنى أكثر، أفاقت النخبة المصرية على الحقيقة المرة، أن أوباما كان مراوغا ولم يختلف عن أى رئيس أمريكى سابق، قرأت هذا فى جريدة الأهرام بتاريخ الأربعاء 7 أكتوبر 2009، فى عموده اليومى (نقطة نور) تحت عنوان «أوباما يتبخر» بقلم مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين فى مصر كتب بالحرف الواحد:
«يبدو أن الرئيس الأمريكى الجديد الذى صفقنا له طويلا قبل عدة أشهر يتلاشى ويتبخر شيئا فشيئا، حتى إننا لا نكاد نعثر من بقاياه على أمل حقيقى فى أنه سوف يتمكن من تحقيق إنجاز واضح يتجاوز كلماته الكبيرة ووعوده الجميلة».
كيف انخدعت النخبة المصرية بالكلمات الكبيرة والوعود الجميلة للرئيس الأمريكى الجديد؟ كم تكررت هذه الخديعة وكم تكرر الانخداع بها؟ كم سنة مرت على تلك العملية التى أطلق عليها عملية السلام؟ حتى انفجرت شرايين الناس من الزهق والغيظ والقيظ الغليظ الفظ.
(للحديث بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.