لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    نقيب الأطباء يُدلي بصوته في انتخابات التجديد النصفي    إدراج 36 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي لعام 2026    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية ورسائل نصر أكتوبر تتصدر نشاط السيسي الأسبوعي    المشاط: السردية الوطنية إطار شامل للإصلاحات والتنمية الاقتصادية    أسعار السمك اليوم الجمعة في مطروح    وزيرة التنمية المحلية والبيئة تشارك فى الجلسة غير الرسمية لتبادل الآراء والرؤى حول مستقبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة    انقطاع المياه 6 ساعات في الهرم وفيصل بالجيزة    وزير الزراعة يؤكد دعم مصر الدائم للأشقاء بالقارة السمراء    استبعاد ترامب، الفنزويلية ماريا كورينا ماشادو تفوز بجائزة نوبل للسلام    فتح معبر كرم أبوسالم لإدخال قافلة المساعدات ال 48    فضل شاكر 13 عاما من الغياب والجدل.. حكومة لبنان تعلق على محاكمته    خطة فليك لإعادة برشلونة على الطريق الصحيح    ضبط مطبعة غير مرخصة بشبرا الخيمة    الداخلية تكشف ملابسات حريق سيارات داخل مجمع سكني بالقاهرة    الداخلية تداهم بؤرا إجرامية لتجار المخدرات والأسلحة وتضبط كميات ضخمة ب90 مليون جنيه    موعد بدء التقديم لحج القرعة 2026 عبر أقسام الشرطة وأون لاين    تكثيف البحث لكشف غموض العثور على جثة سيدة مجهولة بالإسكندرية    افتتاح معرض "سكون يحمل في طياته" ل محمود حامد الأحد    فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام 2025    منة شلبي وكريم فهمي يحققان 7 ملايين جنيه خلال يومي عرض بفيلم «هيبتا 2»    باستثمارات 50 مليون جنيه، تشغيل وحدتي الحروق المتكاملة والمناظير بمجمع الأقصر الدولي    احذري، الكحة عند طفلك يمكن أن تتطور إلى التهاب رئوي    «السبكي»: تشغّيل وحدات طبية بمجمع الأقصر الدولي بتكلفة 50 مليون جنيه    الصحة: إجراء الكشف الطبي على 3521 مرشحًا لانتخابات مجلس النواب    «صحة الشرقية»: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن مبادرة «علاج أمراض سوء التغذية»    مساجد المنيا تستعد لصلاة الجمعة اليوم وسط التزام بالإجراءات الدينية والخدمية    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة....تعرف عليها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة قنا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    إذاعة جيش الاحتلال: القوات ستتمركز على خطوط الانسحاب بحلول ظهر اليوم    جهود فنية في الجنوب.. مهرجان المنيا الدولي للمسرح يعلن اختيار 20 عرضًا ب دورته الثالثة    مصطفى شوبير يحرس مرمى منتخب مصر أمام غينيا بيساو    الصومال ضد الجزائر.. مونديال 2026 يشهد عودة الخضر بعد غياب 12 عاما    «دعاء يوم الجمعة» لتفريج الهم وتيسير الحال وسعة الرزق .. كلمات تريح البال وتشرح الصدر    عاجل - تصاعد التوتر في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار: غازة إسرائيلية عنيفة في خان يونس    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    «مكنتش أتمنى يمشوا».. وليد صلاح الدين: «زعلت بسبب ثنائي الزمالك»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    رمضان 2026 في شهر كام ؟ موعد غرة الشهر الكريم وعدد أيامه    رسميًا..موعد العمل بالتوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    طولان يقرر عودة ثنائي منتخب مصر الثاني إلى القاهرة بعد تعرضهما للإصابة    كريم فهمي يحسم الجدل: "ياسمين عبد العزيز صديقتي.. وتشرفني أي مشاركة معاها"    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    بسبب محل.. التحقيق مع مسؤول بحي العمرانية لتلقيه رشوة من أحد الجزارين    خليل الحية: غزة تصنع المعجزات وتؤكد أنها محرمة على أعدائها    ما بيحبوش الزحمة.. 4 أبراج بتكره الدوشة والصوت العالي    «زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    «أي هبد».. وليد صلاح الدين يهاجم نجمًا شهيرًا: «ناس عايزة تسترزق»    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    خوفاً من السنوار.. لماذا صوت بن جفير ضد قرار انتهاء الحرب في غزة؟    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع يانيك فيريرا فى الزمالك بحضور جون إدوارد    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    بدء الغلق الكلي بشارع 26 يوليو للقادم من كوبري 15 مايو لتنفيذ أعمال المونوريل    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نبيل على يكتب: فاروق حسنى.. وقَدَرنا الثقافى
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 10 - 2009

انتظرت حتى تهدأ عاصفة اليونسكو لأقيم معكم حواراً صريحاً وجاداً حول حال الثقافة فى مصر، ودورها الإقليمى العربى، وهناك عدة حيثيات تؤهلنى لإقامة هذا الحوار أكتفى منها باثنتين:
■ الكاتب صاحب أكبر عدد من الدراسات الخاصة بالتنمية الثقافية فى عصر المعلومات، التى تم إعدادها للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «أليكسو»، والمنظمة الإقليمية للأمم المتحدة «إسكو»، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى UNDP، والمكتب الإقليمى لليونسكو.
■ الكاتب هو من أعد وثيقة العمل الرئيسية لمؤتمر وزراء الثقافة العرب الذى تمحور حول ثقافة عصر المعلومات.
وينطلق حوارى معكم من التوجه الرئيسى الذى تبنته منظمة اليونسكو، ومفاده أن ثورة المعلومات والاتصالات قد أتاحت فرصة نادرة أمام البلدان النامية، ومنها مصر بالطبع، لكى تصوغ نموذجها الخاص بمجتمع المعرفة، بحيث يلبى غاياتها التنموية ويحافظ على هويتها الثقافية.
هذا عن منطلقى، أما دافعى فهو وجود دلائل عديدة تؤكد أنكم باقون فى موقعكم، ولا نخفى عليكم أننا لم نعد نأخذ استقالاتكم المشروطة مأخذ الجد، فما هى فى حقيقة الأمر سوى وسيلة مبتكرة لتجديد الثقة تعودون علينا بعدها وهالتكم أكثر توهجا.
خلاصة القول يا معالى الوزير، لقد أصبحتم بالفعل قدرنا الثقافى، ولابد– من ثم– أن نتعامل معكم بأقصى درجات الجدية، وأن نطرح عليكم تصوراتنا وتوقعاتنا ومصادر قلقنا الشديد على مصير ثقافتنا، ودورها الخطير فى تحديد مصير أمتنا.
ومن الإنصاف قبل الخوض فى هذه القضايا أن نسرد قائمة بأهم إنجازاتكم منذ أن توليتم الوزارة من 22 عاما:
■ إنشاء بعض عناصر البنى التحتية الثقافية، أهمها المقر الجديد للمجلس الأعلى للثقافة، ودار الأوبرا، ومركز الإبداع.
■ إعادة إحياء تراث القاهرة الفاطمية.
■ ترميم وتجديد بعض آثارنا الفرعونية.
■ تجديد مجموعة من المتاحف، والشروع فى إقامة متحف جديد لتراثنا الفرعونى.
■ مشروع ترجمة الألف كتاب، الذى تولد عنه المركز القومى للترجمة الذى يرعاه حاليا الدكتور جابر عصفور.
■ تجديد دار الكتب، والاهتمام بدار الوثائق المصرية، وقد اهتديتم أخيرا إلى أنه لا إصلاح لها إلا بتكليف قيادة مصرية قادرة ومخلصة وشجاعة متمثلة فى شخص الدكتور محمد صابر عرب.
■ إقامة مسرح الهناجر تحت قيادة المناضلة الثقافية الدكتوة هدى وصفى، التى جعلت من هذا المسرح الصغير رأس حربة لإحياء المسرح المصرى الجاد، الذى يحتضر فى عهدكم برغم كثرة المهرجانات.
وإثباتاً لحسن النية لن نتعرض هنا للأخطاء الجسام فى انتقائكم لبعض قيادات الوزارة، الذين عاثوا فسادا ونهبا فى عقر مكتبكم، وربما ما خفى كان أعظم.
ولعلكم توافقوننى على أن التقييم الموضوعى لهذا الحصاد لابد أن يأخذ فى اعتباره طول المدة التى احتكرتم فيها مقعد الوزارة، ومع إقرارنا بأهمية هذه الإنجازات فإن معظمها يندرج تحت ما يعرف ب«التنمية من خلال المقاول»،
حيث يتركز دور الوزارة عادة فى استدعاء الخبراء لوضع مواصفات المشاريع، وطرح المناقصات، وانتقاء المقاول، وتسلم المشاريع على الجاهز بعد انتهائها. برغم هذا التوجه العملى فإنه لا يؤدى إلى تنمية القدرات الذاتية فى إدارة المشاريع الثقافية، أو فى كثير من النواحى التكنولوجية المتعلقة بالعمل الثقافى.
وستبقى المهمة الأساسية لوزير الثقافة فى عصر المعلومات الذى نعيشه حاليا، هى مدى إسهامكم فى تنمية رأس المال البشرى داخل وزارتكم وخارجها والارتقاء بوعى مواطنيه، وترشيد العلاقة بينهم وبين السلطة على اختلاف أنواعها، والإسهام فى إعدادهم لمواجهة تحديات النقلة النوعية الحادة لمجتمع المعرفة. ويصدق هذا القول أكثر ما يصدق عليكم نظراً لديمومتكم التى أصابت ثقافتنا فى مقتل، فمهمة الثقافة الأساسية هى إحداث التغيير فى الأداء الثقافى وتجديد الخطاب الثقافى السائد.
وسيدور حوارى معكم حول مجموعة من القضايا المحورية التالية ذات الصلة الوثيقة بثقافة مجتمع المعرفة، وفى الجعبة الكثير:
1 - تدنى الوعى الثقافى الجماهيرى فى عهدكم.
2 - تقاعس الوزارة فى التصدى للتشرذم الثقافى العربى.
3 - فشلكم فى التعامل مع الفكر الدينى المتنامى.
4 - ضمور تواجدنا الثقافى فى المحافل الدولية.
5 - تهميش الثقافة فى عهدكم.
أولا: تدنى الوعى الثقافى الجماهيرى فى عهدكم:
يتطلب مجتمع المعرفة إشاعة الثقافة العلمية والتكنولوجية لدى جميع فئات المجتمع، ومع الأسف فقد تدنى الوعى الثقافى الجماهيرى فى عهدكم، ولا يكفى القول إنكم قد قمتم بتشكيل لجنة للثقافة العلمية فى المجلس الأعلى للثقافة، فهى لجنة ذات صفة استشارية، يقتصر نشاطها على عقد الندوات والمحاضرات وإصدار كتاب سنوى أحيانا، وتذهب معظم توصياتها سدى نظرا لخلو هيكلة الوزارة من التنظيمات التى تتابع تنفيذها، وخير شاهد على ذلك أنه لم يتفتق عن اللجنة التى تم إنشاؤها منذ خمسة عشر عاماً أى مشروع لتنمية الثقافة العلمية.
لقد كانت نقطة انطلاقكم الذى تجاوز الآفاق هى توليكم إدارة قصر ثقافة الأنفوشى بالإسكندرية، وكان ردكم للجميل هو تدمير الصرح العظيم لقصورالثقافة الذى أقامه سعد الدين وهبة، ظنا منكم أن هذا يخدم مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة، الذى أثبت نجاحه فى توفير الكتاب بسعر زهيد، ولا أتخيل أن تعارض السيدة الجليلة راعية هذا المشروع أن يتوازى معه مسار آخر للتنمية الثقافية عبر قصور الثقافة، وكان من الأحرى بكم أن تقيموا علاقة عضوية بين المسارين تعود بالصالح على كليهما، فما أحوج قصور الثقافة لمكتبة الأسرة! وليس هناك أفضل من قصور الثقافة لتنمية عادة القراءة لدى الجميع.
ومن جانب آخر، فقد قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بوضع استراتيجية قومية لتنمية الثقافة العلمية والتكنولوجية أسهمت فيها من مصر أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، إلا أنها تاهت، كغيرها من المخططات القومية، فى سراديب الوزارة، فلم يظهر لها أى أثر، ولم تسمع عنها لجنة الثقافة العلمية ذاتها.
ثانيا: تقاعسكم فى التصدى للتشرذم الثقافى العربى:
أصبح فى حكم اليقين أنه لا يمكن لبلد عربى أن ينجح منفردا فى اللحاق بركب مجتمع المعرفة دون تكتل عربى، أسوة بما جرى فى أقاليم العالم الأخرى، وهو ما يتطلب بدوره ضرورة الوقوف ضد النزعات القطرية، والتصدى للتشرذم الثقافى العربى.
لقد فتك بالكيان الثقافى العربى العديد من الثنائيات، من قبيل: ثقافة المشرق وثقافة المغرب، الخليجى وغير الخليجى، الأسيوى والأفريقى، الفينيقى والفرعونى، وقد تقاعستم وبشدة فى التصدى للتشرذم العربى، وقد أدهشنى أن يقول عنكم عبدالمنعم سعيد فى مقاله ب «الأهرام الاقتصادى»، إنكم ممثل العرب بامتياز، وحتما هو لا يعرف أن خلال عهدكم قد عقدت عشرة مؤتمرات لوزراء الثقافة العرب، لم تحضروا معظمها، فكيف يتأتى هذا، وأنتم وزير ثقافة مصر ذات المكانة والريادة، ويمكن الرجوع للتحقق مما أقوله إلى سجل إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والجميع يعرف حق المعرفة أن الحشد العربى الذى وقف وراءكم فى حملة اليونسكو كان مرجعه تدخل القيادة السياسية المصرية.
وربما يرجع السبب فى عدم حضوركم كما يبرر البعض تدنى أدائكم فى استخدام اللغة العربية، وهو الأداء الذى يجب أن يكون وزير الثقافة مثالاً يحتذى به.
إلا أن السبب الأهم فى رأيى أنكم لا تمتلكون ورقة التوت التى تسترون بها عورة نزعتكم القطرية، ناهيكم عن الأوروبية المتضخمة وخير شاهد على ذلك إهمال وزارتكم للتوصيات والمشاريع التى تسفر عنها مؤتمرات وزراء الثقافة العرب، ومصيرها كان دوما بالوعة الجهاز البيروقراطى المترسخ داخل الوزارة وقد أعطينا مثالاً على ذلك فى الفقرة السابقة.
ومن نافلة القول فإن التصدى للتشرذم الثقافى العربى لابد أن يصاحبه التصدى للتحدى الثقافى الإسرائيلى، فكل جهد عربى لابد أن يمر من ذلك الممر غير الآمن لصراعنا مع إسرائيل.
ونحن لا نتحدث هنا عن التطبيع ونحن نعارضه، بل الأخطر من ذلك تفوق إسرائيل علينا فى كثير من المجالات الثقافية، وإن انهزمنا ثقافيا أمامها فتلك هى الطامة الكبرى فسوف تحقق إسرائيل بذلك ما فشلت فى تحقيقه عسكريا وسياسيا وإليكم بعض مظاهر التفوق الإسرائيلى علينا:
■ تخلف صورة الثقافة المصرية والعربية على الإنترنت مقارنة بالنظير اليهودى.
■ نجاح إسرائيل فى حشد التيارات المعادية للعرب والإسلام، وشتان بين ما يفعلونه فيما يطلقون عليه معاداة السامية وتقاعسنا فى التصدى لمعاداة العرب والإسلام، ويكفى هنا ما نجح فيه الحوار المسيحى اليهودى فى انتزاع تنازلات هائلة من الكنيسة الكاثوليكية.
■ تفوق إسرائيل فى مجال المسرح والموسيقى والترجمة، ناهيكم عن تفوقها الواضح فى مجال أرشفة التراث الثقافى.
■ نجاح إسرائيل فى إشاعة الثقافة العلمية بين جميع فئات المجتمع الإسرائيلى ونجاحها فى إدخال الكمبيوتر فى جميع مراحل التعليم ومازلنا نذكر مقولة شيمون بيريز فى القاهرة عن استعداد إسرائيل لتصدير مشروعها إلى مصر وجميع البلدان العربية.
■ وأخيراً وليس آخراً، تنامى دور اللوبى الإسرائيلى فى عقر دار اليونسكو فيما يخص التراث العالمى حيث تسعى إسرائيل جاهدة لترسيخ مخططها لتهويد القدس والتصدى بشدة لأى توجه لمنظمة اليونسكو لاعتبار التراث الفلسطينى تراثا إنسانياً يجب حمايته.
ألا يستحق كل هذا أن تقيم وزارتكم مرصدا ثقافيا نشطا لمتابعة سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية الثقافية على مصر والعرب، وتنمية الكوادر القادرة على التصدى ورد الهجوم؟
ثالثاً: فشلكم فى التعامل مع الفكر الدينى المتنامى:
الدين مكون بالغ الأهمية فى منظومة المجتمع، وقد أقرت بذلك معظم النظريات الاجتماعية من ماكس فيبر ودوركايم بل وحتى ماركس فلم يكن فى إسقاطه لمكون الدين إلا إدراكا منه بأهميته، وها هى الجمهوريات الإسلامية التى انفصلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتى تؤكد تمسكها بالدين الإسلامى وها هى الكنيسة الأرثوذكسية تسترد قوتها فى روسيا وأوكرانيا وجورجيا، وعلى الصعيد الأمريكى أحيلكم إلى الكتب العديدة عن تزايد دور الدين فى الفكر الأمريكى مثل كتاب الثيوقراطية الجديدة، وكتاب آل جور عن الهجوم على العقل الذى أبرز فيه تعاظم دور الدين فى الفكر السياسى الأمريكى.
لقد فشلت وزارتكم فى استيعاب ظاهرة الإحياء الدينى من منظور كونها ظاهرة عالمية ومحلية فى آن واحد وجاءت مبادرتكم للتعامل مع الفكر الدينى المصرى إما استفزازية تثير غوغائية المتطرفين ولا تتجادل مع عقلانية المفكرين الجادين ومثال لذلك حديثكم عن الحجاب،
وإعطاء الجائزة التقديرية لسيد القمنى، وإما مبادرات استسلامية تعجز عن الصمود أمام المتشددين كما حدث بخصوص ترجمة الكتب العبرية الذى نراها ضرورية بل ونحن نأخذ على مشروع الترجمة فى الوزارة أنه أهمل ترجمة الكتب التى تصدر فى إسرائيل الكاشفة عن توجهات الفكر الصهيونى عموما والمتعلق بصراعنا مع إسرائيل خاصة، ولم تظهر الوزارة اهتماماً بترجمة الكتب العبرية إلا لسد الثغرات فى حملة ترشيحكم لرئاسة اليونسكو، لقد أدى عدم الترجمة هذا إلى تحول إسرائيل إلى ثقب أسود لا نعرف عنه إلا أقل القليل، فى حين تقوم إسرائيل بترجمة معظم الإصدارات العربية المهمة، لذا فهى تعرف أدق التفاصيل عن حياتنا وما يدور فى أذهاننا وما يختلج فى صدورنا.
رابعاً: ضمور تواجدنا الثقافى فى المحافل الدولية:
يتطلب مجتمع المعرفة تواجدا ثقافيا نشطا على الصعيد العالمى نظراً لما قامت به تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بكسر الحواجز التى كانت تفصل بين شعوب العالم والحاجة الماسة إلى تبادل الدروس المستفادة، ولا مكان فى عصر المعلومات لانغلاق ثقافى.
وقد قمتم بتحويل نشاط العلاقات الثقافية الخارجية بالوزارة من مستوى الإدارة إلى أكبر كيان تنظيمى ضخم يرأسه وكيل أول وزارة، ولكن ويا للأسف تم ملء فراغات هذا التنظيم المتضخم بموظفين أغلبهم محدودو الإمكانات للغاية لا يجيد معظمهم اللغات الأجنبية أو التعامل مع الكمبيوتر.
أما اختيار القائمين بتمثيلنا الثقافى فى الخارج فهو لا يأخذ فى الاعتبار العامل الثقافى ويعتمد أساسا على التخصص العلمى وما أندر ما نجد فيهم من يتحلى بقدر الوعى الثقافى اللازم من أمثال الدكتور فتحى صالح. أما اختيار من يمثل مصر فى المؤتمرات والندوات الثقافية الدولية فيتم بصورة عشوائية حيث لا يوجد بالإدارة المركزية للعلاقات الثقافية الخارجية قاعدة بيانات بالمثقفين المصريين الجادين فى المجالات المختلفة، وينتهى الأمر فى كثير من الأحيان إلى اختيار المقربين والموالين، وكل ما نطلبه منكم هو أن تكلفوا وزارة التنمية الإدارية بإعداد دراسة دقيقة عن قدرات رأس المال البشرى، قيادات وعاملين لهذا الجهاز المهم.
ولتكن خصيم نفسك وتقارن أداء العلاقات الثقافية الخارجية بأخطبوط الشبكة الكثيفة من العلاقات الثقافية الدولية التى أقامتها إسرائيل مع معظم دول العالم، وهى الشبكة التى تضخ لإسرائيل بانتظام كل ما يجرى على الساحة الثقافية فى هذه البلدان.
خامسا: تهميش الثقافة فى عهدكم:
الثقافة - كما قيل - لا تهمش، خاصة فى مجتمع المعرفة بعد أن أصبحت المحور الرئيسى لمنظومة التنمية المجتمعية الشاملة، وتهميش الثقافة هو الذى أدى إلى إجهاض كثير من مشاريع الإصلاح فى المجالات المختلفة وقد تم فى عهدكم تهميش حاد للثقافة، فبرغم ما حظيتم به أنتم شخصياً من رعاية إلا أن وزارتكم قد تحولت إلى قزم أمام طغيان الإعلام الرسمى، طفل السلطة المدلل ومن أكثر نظم الإعلام فى العالم النامى ولاء لهذه السلطة، ولا تختلف فى ذلك كثيراً القنوات الثقافية الرسمية إلا فى تسريب رسالتها بصورة خافتة. وهكذا ترك الحبل على الغارب لهذا الإعلام حتى أصبح أداة أيديولوجية لفرض الانقياد وتبرير الممارسات وتمرير القرارات.
إن من أولى المهام لوزارة الثقافة هى محو الأمية الإعلامية لدى المواطن المصرى لكى تزداد مناعته ضد التضليل الإعلامى بزيادة قدرته على كشف الدوافع وراء ظاهر الرسالة الإعلامية. لقد أصبح محو الأمية الإعلامية شاغل جميع المؤسسات الثقافية والتربوية، فى العالم النامى والمتقدم على حد سواء بما فى ذلك الولات المتحدة، وذلك لتعاظم دور الإعلام وتحالفه مع القوى السياسية والاقتصادية فى ظل العولمة الحالية.
من زاوية أخرى، فإن التربية قد أصبحت مرادفة للتنمية فى مجتمع المعرفة وأصبح التعليم مدى الحياة مسؤولية المجتمع ككل، لا المؤسسة التربوية وحدها، فقد اتسعت منظومة التربية لتشمل التعليم النظامى من خلال المدارس والجامعات والتعليم غير النظامى والعفوى من خلال الإعلام والمؤسسات الثقافية من متاحف ومكتبات ومواقع أثرية وخلافه.
ويتطلب ذلك – أول ما يتطلب – تنسيقا بين المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية ويتجاوز الأمر بالطبع المجاملات الدبلوماسية بين الوزراء، ولم نسمع لكم صوتا فى هذا الصدد وتخلو وزارتكم من أى نشاط أو كيان تنظيمى ينسق بين وزارتكم ووزارة التعليم.
وربما يقول قائل إن بعض ما ذكر لا تقع مسؤوليته على وزارة الثقافة وحدها ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر أنها قضايا ثقافية فى المقام الأول ويقع على عاتقكم مسؤولية طرحها وتحريكها على الصعيد الوطنى.
وختاما يا وزيرنا الفنان ما دمتم قد أصبحتم قدرنا الثقافى فلابد أن تضعوا نصب عينيكم كونكم وزير ثقافة مصر فى عصر المعلومات، وعلى عاتقكم تقع مسؤولية ضخمة فى تحقيق حلم الشعب المصرى فى اللحاق بركب مجتمع المعرفة، ويتطلب ذلك بلورة استراتيجية ثقافية مغايرة تماما للإستراتيجية الحالية، يساهم فى وضعها أصحاب المصلحة وعلى رأسهم وزيرا الإعلام والتربية ومنظمات المجتمع المدنى وعينات ممثلة لفئات المواطنين وبدعم من الوزارة الشابة وأقصد بها وزارة المعلومات والاتصالات، فقد ولى إلى الأبد عصر الوزارات الشائخة، فهل يمكنكم استعادة نضارة شبابكم وحيوية وزارتكم؟!
حفظ الله شعب مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.