كنت عضوًا بمجلس نقابة الصحفيين، خلال الفترة ما بين عامى 1989 و1993، على عهد رئاسة النقيب مكرم محمد أحمد، وحين كانت تعرض على المجلس وقائع تتعلق بمخالفة أحد أعضاء النقابة، لقرار حظر كل أشكال التطبيع النقابى والمهنى والشخصى، الذى أصدرته الجمعية العمومية للنقابة بهذه الصيغة عام 1985، كان عدد من الزملاء أعضاء المجلس، يطالبون بإحالة المخالف إلى لجنة تحقيق نقابية، وهى طبقًا لقانون النقابة- خطوة من خطوات التأديب، كنت أعترض على الرغم من تحمسى لقرار الحظر، وكنت أستند فى هذا الاعتراض إلى سببين رئيسيين: أما السبب الأول فهو قانونى، وهو يقول إن قانون النقابة الصادر عام 1970، شأنه فى ذلك شأن قوانين كل النقابات المهنية، قد أحاط إحالة الصحفى للتأديب بشروط وضمانات صارمة، تقديرًا من المشرِّع لأن العقوبات التأديبية تصل إلى حدّ الحرمان من مزاولة المهنة لمدة سنة، وعقوبة الشطب من عضوية النقابة، التى يترتب عليها حرمان عضو النقابة من ممارسة المهنة، وهو حكم بالإعدام الموتى، يترتب عليه تحول عضو النقابة من صحفى إلى مؤلف أغان هابطة. كان ذلك هو الذى دفع المشرِّع إلى أن يضمن قانون النقابة للمواد من 72 إلى 88، التى حددت على سبيل الحصر، الحالات التى يجوز فيها الإحالة إلى التأديب فى خمس حالات هى: 1- مخالفة واجبات الصحفى المنصوص عليها فى قانون النقابة. 2- أو لائحتها الداخلية، 3- أو مخالفة آداب المهنة «ميثاق الشرف». 4- أو الخروج عن الواجب فى مزاولة المهنة. 5- الظهور بمظهر من شأنه الإضرار بكرامتها. 6- أن يأتى بما يتنافى مع قواعد آداب المهنة. وليس فى الواجبات المنصوص عليها فى قانون النقابة أو لائحتها الداخلية أو ميثاق الشرف، ما يوجب على العضو الالتزام بقرارات الجمعية العمومية، حتى تكون مخالفته لها خطأ يستوجب الإحالة للتأديب والتعرض لعقوبة المنع من مزاولة المهنة.. مما يعطى المطبعين الحق فى الطعن على اتخاذ إجراء تأديبى ضدهم، أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، لمخالفته لقانون النقابة، وممارسته لنشاط يبيحه القانون الذى صدر بالتصديق على معاهدة السلام مع إسرائيل، فضلاً عن مخالفته لحكم أصدرته المحكمة الدستورية فى 3 فبراير 1996، ينص على أن مباشرة أعضاء التنظيم النقابى لحقوقهم التى كفلها الدستور، تعتبر قيدًا على كل قرار يصدر عن أغلبيتهم. وسوف تقضى محكمة القضاء الإدارى بالقطع بإلغاء العقوبة التأديبية التى وقعت على المطبعين، وبذلك يكون مجلس النقابة قد جاء ليكحلها فأعماها، وأراد أن يلزم المطبعين بإيقاف نشاطهم، فمنحهم الفرصة ليضيفوا على هذا النشاط حصانة قضائية، تنسف قرار حظر التطبيع، وتفقده إلزاميته، وتفتح الباب أمام المطبعين ليبرطعوا فى الساحة الصحفية. أما السبب الثانى الذى كان يدعونى إلى المعارضة فى اتخاذ أى إجراءات تأديبية ضد المطبعين فهو أننى كنت أعترض على الأسلوب العدوانى والفضائحى والشخصانى، الذى تتبعه بعض عناصر حركة رفض التطبيع فى التعامل مع المطبعين، إذ لم يكن لدى شك فى أن ما يمارسونه من أنشطة تطبيعية ينطلق من تصور خاطئ بأنهم يخدمون الهدف نفسه، الذى يخدمه الرافضون للتطبيع، وأن التعامل معهم بأسلوب المكفراتية، سوف يجعلنا نفقدهم إلى الأبد، وأن علينا أن نسعى لاستعادتهم، خاصة أن عددًا من ألمع الصحفيين الذين يرفضون التطبيع الآن، قد سبق لهم أن قاموا بأنشطة تطبيعية. وكان من رأيى- آنذاك وبعد ذاك- أنه يكفى أن يرسل مجلس النقابة خطابًا إلى الصحفى الذى يخالف قرار حظر التطبيع، يذكره بالقرار، ويسترعى انتباهه لعدم مخالفته، وأن يضمن تقريره السنوى الذى يقدمه كل عام للجمعية العمومية، قائمة بأسماء المخالفين للقرار والوقائع المنسوبة إليهم، كنوع من الضغط الأدبى. ولأن قرار حظر التطبيع قد صدر عن الجمعية العمومية من دون أن يتضمن أى آلية لمحاسبة من يخالفونه، أو ينص على عقوبات توقع عليهم، كما خلا كذلك من تحديد دقيق للأفعال التى تعتبر تطبيعًا محظورًا، فقد أدهشنى أن يصرح بعض أعضاء مجلس النقابة، بأن المجلس قد أصدر قرارًا باعتماد آلية التأديب لمحاسبة المخالفين للقرار، استنادًا إلى قاعدة عامة، بأن الجمعية العمومية هى أعلى سلطة فى النقابة، وهو نص لا يوجد فى قانون النقابة، بل يوجد ما يدل على عكسه، إذ تنص المادة 62 من هذا القانون على حق وزير الإعلام فى الطعن على قرارات الجمعية العمومية، وهو حق انتقل الآن إلى المجلس الأعلى للصحافة، فكيف تكون الجمعية أعلى سلطة، وللمجلس حق الطعن فى قراراتها؟! وكيف يمكن أن توفق بين ذلك وبين نصوص التأديب فى القانون نفسه، وبينه وبين حكم المحكمة الدستورية بأن الحقوق الدستورية المكفولة لأعضاء النقابة، هى قيد على كل قرار يصدر عن الأغلبية؟ خلاصة الكلام: أن قرار مجلس نقابة الصحفيين بإحالة المطبعين إلى التأديب ينطوى على مخاطرة بقرار حظر التطبيع، سوف تنتهى بالقطع بإضفاء مشروعية قضائية على مخالفته.. مما يضعف إلزاميته. وليس معنى ذلك أنه لا يوجد بديل لمحاسبة المطبعين.. يستحق الانتظار للأسبوع القادم.