رئيس "دفاع النواب": 30 يونيو ثورة أنقذت مصر من التفتت    مجلس النواب يقف دقيقة حدادًا على أرواح فتيات كفر السنابسة بالمنوفية    رئيس النواب يدعو لجنة النقل بإعداد تقرير عن حادث الطريق الإقليمي    انتخابات مجلس الشيوخ| الهيئة الوطنية تعلن التفاصيل "الثلاثاء المقبل"    أسعار الأسماك اليوم الأحد 29 يونيو 2025    محافظ أسيوط يفتتح قاعة اجتماعات مجلس المحافظين بالديوان العام للمحافظة    وزير الكهرباء يزور مجموعة شركات هواوي الصينية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة    لتبادل الخبرات.. رئيس سلامة الغذاء يستقبل سفير اليابان بالقاهرة    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال    زلزال بقوة 4.5 درجة يهز باكستان.. وتحذيرات من خطورته    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    إسرائيل تعلن اغتيال المسؤول عن الصواريخ المضادة للدروع بحزب الله    القوات الجوية الأوكرانية: مقتل طيار وفقدان طائرة مقاتلة إف-16    إسرائيل: المجلس الوزاري الأمني المصغر يجتمع لبحث الحرب في غزة    وكالة تسنيم: إيران تشكك في استمرار وقف إطلاق النار مع إسرائيل    اليوم.. مواجهات نارية في ثمن نهائي كأس العالم للأندية 2025 بمشاركة باريس سان جيرمان وبايرن ميونخ    كومباني: مواجهة فلامنجو تُضاهي ليالي دوري الأبطال    ركلات الترجيح تحمل هندوراس إلى قبل نهائي الكأس الذهبية    والد مصطفى أشرف: الزمالك تعامل معنا بعدم احترافية وهذا سبب فشل الصفقة    يوريتشيتش يجدد تعاقده مع بيراميدز    إصابة شخصين في حادث تصادم أسفل الكوبري العلوي بالفيوم    الثانوية العامة 2025.. طلاب: الإنجليزي في مستوى المتوسط وشكاوى من القطعة    نائب يطالب باستدعاء وزير النقل بعد حادث الطريق الإقليمي    متحدث محافظة المنوفية: الطريق ليس تحت ولايتنا وتسميته بالموت مجرد تريند    شيرين تلبي طلب معجبة بغناء "على بالي" في ختام مهرجان موازين    طارق الشناوي عن خلاف أحمد السقا وطليقته مها الصغير: "التصعيد الحالي لا يليق بمكانته"    "مواهبنا مستقبلنا".. انطلاق اختبارات الموسم الثاني بمسرح 23 يوليو في الغربية    رسائل تضامن وصور شهداء.. "كايروكي" يحيي حفلا تاريخيا لدعم غزة باستاد القاهرة| فيديو    جامعة القاهرة: "EZVent" أول جهاز تنفس صناعي مصري يحصل على الترخيص التجاري    نجاح زراعة منظم ضربات قلب مزدوج لمريض بمستشفى رأس سدر    «الصحة» : دعم الرعاية الحرجة والعاجلة ب 713 حضانة وسرير رعاية مركزة    محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي الشاملة بشربين    عقاب قاسٍ على سرقة هاتف.. ضبط زوجين اعتديا على طفلهما بسبب السجائر في الشرقية    طالبات القليوبية: امتحان الإنجليزي في متناول الجميع رغم صعوبة القطعة    ارتياح بين طلاب الدقي بعد امتحان الإنجليزي: سهل يتقفل    علماء بريطانيون يتوصلون إلى تأثير سلبي لأحماض أوميجا 3 الدهنية على الالتهابات    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    الأزهر للفتوى يوضح معني قول النبي" الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"    تصل 100%.. تعرف على خصومات أبناء الشهداء والمصابين بتنسيق الجامعات 2025    دعم نفسي.. تحرك من "الصحة" بشأن أسر ضحايا حادث المنوفية    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    بالصور| كريم محمود عبدالعزيز وأسماء أبو اليزيد وأحمد غزي في العرض الخاص ل"مملكة الحرير"    كارمن سليمان تتألق في أحدث ظهور لها (صور)    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    مي عمر شعبية في مسلسلها الجديد برمضان 2026    حدث ليلًا | تشيلسي يتأهل.. وتل أبيب تشتعل.. ومسيرات إسرائيلية بإيران    45 دقيقة تأخيرات القطارات بين قليوب والزقازيق والمنصورة    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    رحلة نقل ملكية السيارة تبدأ من هنا.. إليك المستندات المطلوبة    مدرب بالميراس: سنقاتل حتى النهاية من أجل حلمنا في كأس العالم للأندية    بكام الطن؟.. أسعار الأرز «الشعير والأبيض» اليوم الأحد 29 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    النائب عاطف مغاوري: أزمة الإيجار القديم تحل نفسها.. وستنخفض لأقل من 3% في 2027    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    بعد توقف 116 دقيقة.. تشيلسي يفوز برباعية ويتأهل لربع نهائي مونديال الأندية على حساب بنفيكا    «لسة اللقب ماتحسمش».. مدرب بيراميدز يتشبث بأمل حصد الدوري المصري    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    بعد فشل توربينات سد النهضة، خبير جيولوجي يحذر من حدوث فيضانات بالخرطوم قريبا    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف انهار الأداء المصرى؟

لم تعد مشكلة مصر الأساسية فى توجهاتها السياسية، ولا فى كونها دولة حليفة لأمريكا لها علاقات مع إسرائيل، ولا لكونها تطبق نظاماً سياسياً يفترض أنه رأسمالى، إنما لأنها تطبق توجهاتها بصورة متخبطة، وبلا روح ولا طموح ولا حتى كفاءة فى الأداء.
والمؤكد أنه لم تظهر أزمة داخلية أو خارجية إلا وانكشف فيها الأداء المصرى واقترب من الفضيحة، فتعامل مع خصومه بالردح والشتائم، وحتى حلفاؤه لم يمنع الأمر من شتمهم حين انتقدوا ممارساته غير الديمقراطية، إما إهانتهم للمصريين أو الاستعلاء على ثقافتهم أو انتهاك سيادتهم، فكلها أمور بسيطة يمكن التغاضى عنها لأنها جاءت من دول كبرى اعتادت أن تشيد فى العلن بحكمة الرئيس، فلا بأس أن تفعل كل شىء وتستبيح كل قيمة.
والحقيقة أنه منذ العدوان الإسرائيلى على غزة، ثم طريقة تعامل الحكومة مع خلية حزب الله الفاشلة، وهناك دلائل واضحة على أن النظام السياسى المصرى فى أزمة باتت تحيط به من كل جانب، وضعت معها البلاد فى حالة حرجة من الصعب استمرارها.
لقد أضاعت مصر فرصة تاريخية امتدت لما يقرب من 30 عاماً، حين فشلت من الاستفادة سياسياً واقتصادياً من توقف حروبها مع إسرائيل منذ عام 1973، ودخولها إلى معسكر الاعتدال والتسوية السلمية والتحالف مع أمريكا، وفى الوقت نفسه (وهذه هى المفارقة الكبرى) عزلت الشعب المصرى تماماً عن التفاعل مع أى معانٍ إيجابية يحملها الانفتاح على العالم الخارجى وثقافة الصراع السلمى والديمقراطى، فلم تحمل ما عرف بسياسة الانفتاح الاقتصادى أى قيم ديمقراطية فى الداخل،
ولا رؤى عقلانية فى التعامل مع الخارج، فبالقدر الذى تقبلت فيه النخبة الحاكمة إملاءات الخارج، غاص المجتمع المصرى فى غيبوبة سياسية وثقافية حقيقية جعلته فى عجز كامل عن التأثير فى المسار الإنسانى والعالمى، واكتفى بصراخه فى الداخل دون أن يكتشف بعد أنه مجرد مستمع لصدى صوته.
والمفارقة أنه فى الفترات التى كانت فيها النخبة السياسية فى صراع مع الغرب (فى ظل مشروع حزب الوفد قبل الثورة، ومشروع عبدالناصر بعد الثورة) كان المجتمع المصرى أكثر حداثة وديمقراطية وعقلانية من الوضع الحالى، لأنه لكى تواجه التحديات والضغوط الخارجية ولو بالطرق السلمية، فأنت بحاجة إلى مجتمع صحى وإلى نخبة تبنى فى الإدارة والصناعة والتعليم والصحة حتى لو تعثرت فى مجال الديمقراطية، كما حدث فى الستينيات.
أما عبقرية «حكم محلك سر»، فسنجد أن فشله الأساسى ليس فى كونه قد بنى نظاماً شمولياً غير ديمقراطى، ولا لكونه اختار التسوية السلمية والتحالف مع أمريكا، إنما فى قدرته الاستثنائية على إجراء عملية تخريب وتجريف كاملة للمجتمع المصرى ولمؤسسات الدولة، بصورة جعلته بهذا الشكل التائه والمتخبط و«المستأسد» على كل من يظنه أضعف منه، و «المتأرنب» (من الأرانب) حين يواجه من هو أقوى منه، أى أمريكا وإسرائيل فى الخارج، وكبار رجال الأعمال فى الداخل.
إن انهيار أداء الدولة جاء رغم أن الحكم لم يختر التحالف مع الاتحاد السوفيتى السابق أو الدول الاشتراكية التى عرفت نظماً بيروقراطية محدودة الكفاءة والخيال، ولكنه اختار أن يتحالف مع الغرب وأمريكا، ويستمع إلى نصائح البنك الدولى، ويسجل رئيس الجمهورية رقما قياسيا فى السفر إلى خارج البلاد، خاصة إلى أوروبا وأمريكا،
ومع ذلك لم تعرف مصر انهياراً مثل هذا فى أداء مؤسساتها العامة، وتدنياً فى كفاءة نخبتها الرسمية، خاصة رجالها الجدد من «الهتيفة» و«الرديحة»، الذين صاروا خير معبرين عن حجم التدهور الذى أصاب الحكم الحالى.
والسؤال: ما الذى جعل أداء مؤسسات الدولة يصل إلى هذا المستوى من التدهور، ما الذى جعل الخدمات العامة التى تقدم للمواطنين تنهار بهذا الشكل، وما الذى جعل الحكم يفشل فى أن يستثمر وضعاً سياسياً سلمياً محيطاً (على الأرجح لن يتكرر) لصالح التنمية والديمقراطية؟
الحقيقة أن وجود نخبة تحكم البلاد بالمصادفة، غابت عنها أى رؤية سياسية أدى إلى دفع الشعب المصرى لكى يعيش فى مأساة حقيقية تطحنه بصورة يومية وهى مرتاحة البال، هادئة الضمير، لأن هذا التدمير هو بمفرده الذى سمح لها بالبقاء ما يقرب من ثلاثين عاماً.
والحقيقة حين يكون الحكم بلا مشروع ولا حتى حس سياسى، فإنه يضطر إلى أن يحكم بالسلطة الأمنية، وقد يتساءل البعض: ألم تكن هذه السلطة موجودة فى العهدين الناصرى والساداتى، فما الجديد إذن؟ الجديد أن السلطة الأمنية فى عهد عبدالناصر كانت تتحرك فى ظل نظام لديه مشروع سياسى، وبالتالى كان دورها، كما كان الحال فى عصر السادات، هو مواجهة الخصوم السياسيين فقط، وليس عموم الناس كما يجرى الآن.
فلم يشعر المواطن العادى بوطأة الأجهزة الأمنية ولا بقهر مؤسسات الدولة التى ضمت أسماء مهنية وكفاءات إدارية، بل حتى أمنية رفيعة المستوى وشديدة الإخلاص، ولكن حين يكون الحكم خائبا وفاشلا يقوم، ليس فقط، بالاعتماد الكامل على الأجهزة الأمنية، فإنه يبدأ فى «هندسة» المجتمع ومؤسسات الدولة على مستوى الجهاز الوحيد الذى يعمل،
أى الجهاز الأمنى، فيظهر «الصحفيون» المخبرون بدلا من الصحفيين الموالين للسلطة، وينتشر عمداء الكليات ورؤساء الجامعات الذين يختارهم الأمن محل جيل من العلماء الحقيقيين كانوا موالين للنظام حين كان موجودا، ويغيب رجال الدولة المحترمون لصالح مجموعات مسخ، اختارتهم أجهزة فاشلة وتقارير أفشل.
من الصعب أن نجد فى أى عصر فى تاريخ مصر المعاصر مستوى من التجهيل والخرافة أصاب المجتمع المصرى مثلما حدث فى هذا العهد حليف الغرب وأمريكا، فحين تغيب عن الحكم الرؤية والطموح السياسى، يصبح الأمن هو الحاكم لكل مفاصل المجتمع، وتصبح كراهية الجدية والقدرة على الفعل والتأثير سمة رئيسية من سمات هذا العهد، فإذا كنت مسؤولا أو مثقفا محترما ويشيد بك الناس، فتأكد أنك من المغضوب عليهم لأن هذا وضع غير مريح أمنيا، وإذا كنت عالما كبيراً، ردد الناس اسمك بالخير، فتأكد أنك فى «القائمة السوداء». نعم..
لقد كان مفهوما فى بلد غير ديمقراطى أن يواجه النظام خصومه السياسيين، ولكن لم يكن مفهوما أن يجعل كل رجاله بهذا المستوى الصارخ من التدنى الأخلاقى والفشل المهنى والسياسى، أمر عجيب أن تعيش فى بلد لا يحارب عسكرياً ويختار أن يفشل ( بضم الياء) تعليمه وجامعاته ويقضى على علمائه ويخرب عقول شعبه بإعلام هابط.
إن انهيار مؤسسات الدولة وتوظيفها فى معارك هابطة وحملات دعائية مسفة ومعارك صغيرة، هو نتيجة لغياب «الحكم السياسى» الذى تبلد فى مكانه، ولكى يستمر حتى النهاية على قيد الحياة كان لابد أن «ينفق» من ورثه الوحيد، أى «الدولة المصرية»، ولأنه لم يضف شيئا إلى هذا «الورث» (ديمقراطية أو تنمية لا سمح الله) فقد أفلس،
وانطلق نحو بيع وتصفية ما ورثه، فخرّب الدولة وطوّعها عند مستوى قدراته المحدودة، واجتهد من أجل استئصال كل مواطن، حمل جانباً من تقاليدها، وأطلق قادتها الجدد على الشعب المصرى ليتحدى بهم العالم فى الفساد والجهل والخيبة الثقيلة.. ولكن ألا يوجد داخل هذه الدولة جيل ثان مهمش ومقهور ويحلم بالتغيير؟!
لا أعلم.. وأخشى أن أقول أشك.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.