نشرت «المصرى اليوم» يوم 5 أكتوبر، فى الصفحة الأخيرة، تصريحات متعلقة بأنفلونزا الخنازير لوزير التضامن الاجتماعى الدكتور على المصيلحى، وذلك فى اجتماعه بقطاعات التموين والتعليم والصحة فى محافظة الشرقية، بدايةً جاء عنوان الخبر «نقلاً عن كلام الوزير»: «المصريون خائفون من أنفلونزا الخنازير لأنهم لا يتحملون المسؤولية»، وكنت أتمنى أن يتضامن معنا الوزير قليلاً ويرأف بحالنا، فما من مسؤول إلا وقام بتوبيخنا عند حدوث كل كارثة، بدايةً من غرق العبارة، مرورًا بمحاولة الهجرة بأساليب غير قانونية، وانتهاء بالمبيدات المسرطنة. فى كل مرة كان الشعب هو المسؤول، لأنه لا يعرف ولا يقدر ولا يفهم ولا يستطيع ولا يقبل ولا يتعاون، باختصار، شعب لا يستحق ما يُبذل من جهد من أجله ولا يقدّر الجميل، وهذا هو الفارق بين الشعب المصرى والشعب الصينى- من وجهة نظر الوزير- فقد جاء فى نفس الخبر نقلاً عن الوزير: «إن حالة الفزع التى يعيشها المصريون بسبب فيروس أنفلونزا الخنازير ليست موجودة فى الصين، التى يبلغ عدد سكانها 20 ضعف عدد سكان مصر، مشيرًا إلى أن الصين ليست فيها استعدادات لمواجهة المرض مثل بلادنا، لأننا فى مصر غير قادرين على تحمل مسؤوليتنا». جرى العرف فى أى كارثة أن تتم مقارنتنا ببلاد الواق الواق، ولأننا بالطبع لا نعرف شكل الاستعداد الصينى فلن نفتح فمنا بكلمة واحدة، بل علينا أن نشكر الله الذى منَّ علينا بهذه النعم ونحاول أن نصلح من أنفسنا، لنتعلم تحمل المسؤولية! وذلك بالرغم من أننا لم نشارك فى جلب الفيروس لمصر ولم نمانع فى الحصول على المصل الوقائى- الذى لم نحصل عليه بعد- ولم نساهم فى نشر الفيروس الذى أكد الوزير «وزير التضامن» فى نفس الخبر أن «خطورة المرض تكمن فى أنه ينتشر بسرعة 10 أضعاف الفيروسات الأخرى»! وهذه حقيقة أكدها وزير الصحة ومنظمة الصحة العالمية من قبل.. أليس من حقنا أن نخاف ونحن نعرف تمامًا- ووزير التضامن يعرف أكثر منا «لأنه وزير»- الحالة الصحية المتدنية التى نعانى منها، والسلوكيات المنتشرة رغمًا عن أنفنا، وأكوام القمامة التى لا تجد من يرفعها، فى ظل هذه الأكوام التى انتشرت صورها فى الصحف وطُرحت كفقرة رئيسية فى إذاعة ال«بى. بى. سى». أعتقد أنه ينبغى أن نخاف حتى دون وجود فيروس. يختم الوزير تصريحاته فى هذا اللقاء قائلاً: «إن الأمة لن ينصلح حالها إلا بالتعليم، ولكى تستمر العملية التعليمية لابد أن تكون الحالة الصحية للطلاب سليمة، ووجود طبيب فى كل مدرسة لمراقبة الطلاب كلام نظرى». الحقيقة أننى لم أفهم شيئًا، فبعد أن كان العيب فينا أننا لا نتحمل المسؤولية تغيّر الكلام وصرح الوزير بأن الحالة الصحية للطلاب أساسية، وأن وجود الطبيب فى كل مدرسة كلام نظرى، وهو ما يجعلنى أرتبك قليلاً أمام هذه التصريحات المتناقضة، فنحن لم نختر أن نكدس التلاميذ فى الفصول، ولم نختر أن تكون المدارس فى حالة يرثى لها، ولم نعلن فى بداية الأزمة أننا سنضع طبيبًا فى كل مدرسة.. أعلنت الدولة عن ذلك، لأن الأمر ببساطة يدخل فى نطاق مسؤوليتها، ولأنه بدون وجود فيروس لابد من وجود طبيب فى كل مدرسة، مدارس مكدسة «110 تلاميذ فى مدرسة بصفط اللبن على سبيل المثال وليس الحصر»، ونقص فى الأطباء، وبالرغم من ذلك فإن خوفنا فى أسوأ الأحوال وقلقنا فى أحسنها ليسا إلا تعبيرًا عن عدم تحملنا للمسؤولية، فعليًا أعتبر ذلك من أغرب التصريحات التى سمعتها، ولا ينافسه سوى خطبة إمام الأزهر يوم الجمعة الماضى، التى تؤكد أن الفيروس انتقل لنا بسبب بعدنا عن الله سبحانه وتعالى «لاحظ أنها مسؤوليتا أيضًا فلم يقل ابتلاء مثلاً»، وختم وزير التضامن «الاجتماعى» كلامه مطالبًا كل طالب يمرض بأن يجلس فى المنزل، وكل موظف بأن يغيب، وهو ما يجعلنى أفكر جديًا فى مسؤولية هذا الشعب الذى فكر أن يرسل أبناءه للمدارس أو أن يتوجه لعمله! أما الطرافة التى غلفت الموضوع بأكمله فهى الكاريكاتور الذى رسمه عمرو سليم ونُشر بجانب الخبر- عمدًا أو سهوًا- حيث يقول مسؤول فى التربية والتعليم: «أى نعم مافيش لا تربية ولا تعليم ولا دياوله.. بس بذمتكم إيه رأيكم فى سبوبة الصبّانات والديتول والكمامة؟!».. ما رأيك يا وزير التضامن؟